فإنه لا تقتضيه حقيقته وإنما عين له سببا دون سبب فقال له أنا سببك فعلي فاعتمد وتوكل كما ورد وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين فالرجل من أثبت الأسباب فإنه لو نفاها ما عرف الله ولا عرف نفسه وقال ص من عرف نفسه عرف ربه ولم يقل عرف ذات ربه فإن ذات الرب لها الغني على الإطلاق وأنى للمقيد بمعرفة المطلق والرب يطلب المربوب بلا شك ففيه رائحة التقييد فبهذا عرف المخلوق ربه ولذلك أمره أن يعلم أنه لا إله إلا هو من كونه إلها لأن الإله يطلب المألوه وذات الحق غنية عن الإضافة فلا تتقيد فإثبات الأسباب أدل دليل على معرفة المثبت لها بربه ومن رفعها رفع ما لا يصح رفعه وإنما ينبغي له أن يقف مع السبب الأول وهو الذي خلق هذه الأسباب ونصبها ومن لا علم له بما أشرنا إليه لا يعلم كيف يسلك الطريق إلى معرفة ربه بالأدب الإلهي فإن رافع الأسباب سيئ الأدب مع الله ومن عزل من ولاة الله فقد أساء الأدب وكذب في عزل ذلك الوالي فانظر ما أجهل من كفر بالأسباب وقال بتركها ومن ترك ما قرره الحق فهو منازع لا عبد وجاهل لا عالم وإني أعظك يا ولي أن تكون من الجاهلين الغافلين وأراك في الحين تكذب نفسك في ترك الأسباب فإني أراك في وقت حديثك معي في ترك الأسباب ورميها وعدم الالتفات إليها والقول بترك استعمالها يأخذك العطش فتترك كلامي وتجري إلى الماء فتشرب منه لتدفع بذلك ألم العطش وكذلك إذا جعت تناولت الخبز فأكلت وغايتك إن لا تتناوله بيدك حتى يجعل في فمك فإذا حصل في فمك مضغته وابتلعته فما أسرع ما أكذبت نفسك بين يدي وكذلك إذا أردت أن تنظر افتقرت إلى فتح عينك فهل فتحتها إلا بسبب وإذا أردت زيارة صديق لك سعيت إليه والسعي سبب في وصولك إليه فكيف تنفي الأسباب بالأسباب أترضى لنفسك بهذه الجهالة فالأديب الإلهي العالم من أثبت ما أثبته الله في الموضع الذي أثبته الله وعلى الوجه الذي أثبته الله ومن نفى ما نفاه الله في الموضع الذي نفاه الله وعلى الوجه الذي نفاه الله ثم تكذب نفسك إن كنت صالحا في عبادتك ربك أليست عبادتك سببا في سعادتك وأنت تقول بترك الأسباب فلم لا تقطع العمل فما رأيت أحدا من رسول ولا نبي ولا ولي ولا مؤمن ولا كافر ولا شقي ولا سعيد خرج قط عن رق الأسباب مطلقا أدناها التنفس فيا تارك السبب لا تتنفس فإن التنفس سبب حياتك فأمسك نفسك حتى تموت فتكون قاتل نفسك فتحرم عليك الجنة وإذا فعلت هذا فأنت تحت حكم السبب فإن ترك التنفس سبب لموتك وموتك على هذه الصورة سبب في شقائك فما برحت من السبب فما أظنك عاقلا إن كنت تزعم أن ترفع ما نصبه الله وأقامه علما مشهودا ودع عنك ما تسمع من كلام أهل الله تعالى فإنهم لم يريدوا بذلك ما توهمته بل جهلت ما أرادوه بقطع الأسباب كما جهلت ما أراده الحق بوضع الأسباب وقد ألقيت بك على مدرجة الحق وأبنت لك الطريقة التي وضعها الله لعباده وأمرهم بالمشي عليها فاسلك وعلى الله قصد السبيل ولو شاء لهديكم أجمعين وبعد هذا فاعلم إن العبد تارة يقيمه الحق في معصيته وتارة يقيمه في طاعته فإنا أبين لك من أين وقع للعبد هذا القبول للامرين ونبين لك رتبة الإنسان من العالم وإن الإنسان له أمثال من جنسه والعالم بجملته ليس له مثل وما يتعلق بهذه المسألة من الحقائق والأسرار بعد أن نجمع معاني ما أريد تفصيلها في نظم يكون لك كالأم الجامعة المختصرة الضابطة لرؤوس المسائل حتى إذا أردت أن تبسطها لغيرك نبهك هذا النظم على عيونها فقلنا في ذلك نكني عن العبد إذا عصى الله قد وفى حقيقته * وإن أطاع فقد وفى طريقته لولا القبول لما كان الوجود له * والخلق يطلب بالمعنى خليقته إن المحال دليل إن نظرت فلا * تعدل به حجة فاعلم حقيقته لا يقبل الكون والإمكان يقبله * فكل أمر فقد وفى سليقته لذاك فزنا من الأعلى بصورته * عناية منه أعطاها خليقته لو كان للكون مثل عق تكرمة * له ليطعمه جودا عقيقته لكنه مفرد والحق ليس له * عين التغذي فما أعطاه صورته اعلم وفقك الله أيها الولي الحميم أن العالم لما كان ممكنا ولم يكن محالا قبل حاله الوجود والمحال لا يقبل الوجود فخالفت
(٧٣)