من حيث توحيد الألوهية إلى توحيد ذاته من حيث هو لنفسه لا من حيث المرتبة التي بها يتعلق الممكن فيشاهده في ذلك التوحيد واحدا لا واحدا معرى عن النسب والإضافات مجهولا للممكنات غير منسوب لنفسه بأنه عالم بنفسه لنفسه فهو في ذلك التوحيد عينه لا من حيث هو عينه ولا من حيث لا هو عينه وهذا أسنى المراتب في تجريد الكون عن التعلق به وهو كمال الأحدية لا كمال الوحدانية فإن كمال الوحدانية في سريان أحديته في العقائد فإن الوحداني هو الذي يطلب الموحدين والأحدية لا تطلب ذلك كالجسماني هو الذي يطلب الأجسام ليظهر بها حكمه فاعلم فإذا رأيت عارفا تأتي عليه أسباب الالتذاذ وأسباب التألم ولا يلتذ ولا يتألم لا بالمحسوس ولا بالمعقول في اقتناء العلوم الملذة فتعلم إن وقته التجرد التام عن طبيعته وهذا أقوى التشبه الذي يسعى إليه العلماء بالله وواجده قليل والقليل الذي يجده قليل الاستصحاب لهذا الوجدان وإنما الله يكرم به من شاء من عباده في خطرات ما ليعلمه بالتوحيد الذاتي الذي ذكرناه فإن طائفة من العقلاء نسبوا الالتذاذ والابتهاج إلى ذلك الجناب بالكمال الذي هو عليه تعالى الأحد في ذاته عن هذا الوصف لكن الوحدانية الإلهية هي التي ينظر إليها القائلون بهذا القول ولا يشعرون قال تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين فمن نظر الحق من حيث ذاته عرف ما قلناه ومن نظره من حيث ألوهيته عرف ما قلناه ألا تنظر إلى مبادي الوحي الإلهي النبوي إنما هي المبشرات وهي التي بقيت في الأمة بعد انقطاع النبوة فتخيل من لا علم له بالأمر بما هو عليه إن ذلك نقص في حق هذه الأمة ليس الأمر كما ظنه من لا علم له بتقسيم الوحي فإن وحي المبشرات هو الوحي الأعم الذي يكون من الحق إلى العبد بلا واسطة ويكون أيضا بواسطة والنبوة من شأنها الواسطة ولا بد فلا بد من الملك فيها والمبشرات ليست كذلك فالعبد العارف لا يبالي ما فاته من النبوة مع بقاء المبشرات عليه إلا أن الناس يتفاضلون فيها فمنهم من لا يبرح في بشراه عن الواسطة ومنهم من يرتفع عنها كالخضر والأفراد فلهم المبشرات بارتفاع الوسائط وما لهم النبوة ولهذا ننكر عليهم الأحكام فما كان من حكم في الكون من المبشرات فهو من البشرى بالواسطة وهو تعريف خاصة بما جاء به الرسول وما لم يكن لها حكم الكون إلا العلم المجرد في تكملة ذاته فمن البشرى بترك الواسطة فالرسل فضلت من سواها بتحصيل ضروب مراتب الوحي من المبشرات وغيرها من نزول الأملاك على قلوبهم وعلى حواسهم ولهم المبشرات فهم الأفراد الأقطاب ونحن الأفراد لا الأقطاب وأعني بالأقطاب الشخص الذي تدور عليه رحي السياسات الناموسية المبثوثة في مصالح العالم المؤيدة بالمعجزات والآيات فالله يجعلنا ممن بشره به فنام إلى الأبد ولم ينتبه سأل سهل بن عبد الله رجلا من أهل عبادان عن سجود القلب وكان قد رأى سهل بن عبد الله قلبه قد سجد فعرض ذلك على جماعة من الشيوخ من أهل زمانه فلم يعرفوا ما يقول لأنهم لم يذوقوا ذلك فرحل في طلب من يعرف ذلك فلما وصل إلى عبادان دخل على شيخ فقال له يا أستاذ أيسجد القلب فقال الشيخ إلى الأبد يعني أنه لا يرفع رأسه من سجدته فعرف سهل بن عبد الله في سؤاله إن الله أطلعه على سجود قلبه فلازم تلك الصفة فلم يرفع رأسه من سجدته لا في الدنيا ولا يرفعه في الآخرة فما دعا الله بعد ذلك في رفع شئ نزل ولا في إنزال شئ رفع وهذا هو المقام المجهول الذي جهله العارفون وما ثبت فيه إلا المفردون ولولا إن الأنبياء شرع لهم أن يشرعوا للخاص والعام حيث جعلهم الله أسوة لكانت حالتهم ما ذكرناه ولكن صلوات الله عليهم لازموا الحضور في سجود القلب عند التشريع وهذا غاية القوة حيث أعطوا حكم الحال المستصحب الذي لا يرتفع أبدا فغير النبي إذا علمه تكلف فيه وقد أعلمناك في غير ما موضع أن الأوائل في الأشياء هي المعتبرة في النسبة إلى الله وإنها الصدق الذي لا يدخله مين والقوة التي لا يشوبها ضعف في الخاطر الأول والنظرة الأولى والسماع الأول والكلمة الأولى والحركة الأولى كل أول لا يكون إلا مخلصا لله لا يقع فيه اشتراك ثم بعد الأول يدخل ما يدخل فيصدق ولا يصدق فانظر أول ما بدئ به رسول الله ص من الوحي المبشرات فحازت المبشرات الأولية فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح لأن فلق الصبح انفلق عن الليل كما انفلق صاحب هذه المبشرة عن النوم فانظر ما أحسن هذا التشبيه الذي شبهته به أمنا عائشة رضي الله عنها فأبقى الله على رجال هذه الأمة أول الوحي
(٨٦)