يطلبوا علمه ما اختلف فيه اثنان منهم فلو طلب منهم غير ذلك مما اختلفوا فيه ما اختلفوا أيضا فيه فدل ذلك على أنه ما طلب الحق منهم ذلك فإن قلت فما هو الذي اتفقوا فيه قلنا اجتمعت الأدلة العقلية من كل طائفة بل من ضرورات العقول أن لهم موجدا أوجدهم يستندون إليه في وجودهم وهو غني عنهم ما اختلف في ذلك اثنان وهو الذي طلب الحق من عباده إثبات وجوده فلو وقفوا هنا حتى يكون الحق هو الذي يعرفهم على لسان رسوله بما ينبغي أن يضاف إليه ويسمى به أفلحوا وإنما الإنسان خلق عجولا ورأى في نفسه قوة فكرية فتصرف بها في غير محلها فتكلم في الله بحسب ما أعطاه نظره والأمزجة مختلفة والقوة المفكرة متولدة من المزاج فيختلف نظرها باختلاف مزاجها فيختلف إدراكها وحكمها فيما أدركته فالله يرشدنا ويجعلنا ممن جعل الحق إمامه والتزم ما شرع له ومشى عليه أنه الملئ بذلك لا رب غيره فاعلم يا ولي أن الله ما بعث الرسل سدى ولو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى الرسل وكان وجود الرسل عبثا ولكن لما كان من استندنا إليه لا يشبهنا ولا نشبهه ولو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا فعلمنا قطعا علما لا يدخله شبهة في هذا المقام أنه ليس مثلنا ولا تجمعنا حقيقة واحدة فبالضرورة يجهل الإنسان ما له وإلى أين ينتقل وما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه لأنه يجهل علم الله فيه لا يعرف ما يريد به ولا لماذا خلقه تعالى فافتقر بالضرورة إلى التعريف الإلهي بذلك فلو شاء تعالى عرف كل شخص بأسباب سعادته وأبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها ولكن ما شاء إلا أن يبعث في كل أمة رسولا من جنسها لا من غيرها قدمه عليها وأمرها باتباعه والدخول في طاعته ابتلاء منه لها لإقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ثم أيده بالبينة والآية على صدقه في رسالته التي جاء بها ليقوم له الحجة عليها وإنما قلنا من جنسها لأنه كذا وقع الأمر قال تعالى ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا أي لو كان الرسول للبشر ملكا لنزل في صورة رجل حتى لا يعرفوا أنه ملك فإن الحسد على المرتبة إنما يقع بين الجنس وقال تعالى لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ولنا في ذلك خليفة القوم من أبناء جنسهم * لأن ذلك أنكى في نفوسهم لو لم يكن منهم لصدقوه ولم * يقم بهم حسد لغير جنسهم قد علم الإنسان أن البهائم وجميع الحيوانات دونه في المرتبة فلو تكلم حيوان ولو كان خنفساء ونطقت وقالت أنا رسول من الله إليكم احذروا من كذا وافعلوا كذا لتوفرت الدواعي من العامة على اتباعها والتبرك بها وتعظيمها وانقادت لها الملوك ولم يطلبوها بآية على صدقها وجعلوا نطقها نفس الآية على صدقها وإن كان الأمر ليس كذلك وإنما لما نال المرتبة غير الجنس لم يقم بهم حسد لغير الجنس فأول ابتلاء ابتلى الله به خلقه بعث الرسل إليهم منهم لا من غيرهم ومع الدلالات التي نصبها لهم على صدقهم واستيقنوها حملهم سلطان الحسد الغالب عليهم إن يجحدوا ما هم به عالمون موقنون ظلما وعلوا قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما أي ظلموا بذلك أنفسهم وعلوا على من أرسل إليهم فاندرج في ذلك علوهم على الله ولو قلت له يا فلان كيف تتكبر على من خلقك لاستعاذ من ذلك وقال إن هذا الذي يزعم أنه من عند الله يكذب على الله حاشا الله أن يبعث مثل هذا إلينا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فإن قيل له فقد جاء بالعلامة على أنه رسول من الله إليكم فيقول ألست تعلم أن السحر حق هذه الآية من ذلك القبيل هذا مع العامة وأما مع العلماء والخواص مثل الحكماء وغيرهم فإذا قيل لهم ألستم ترون هذه الآيات الدالة على صدق ما يدعيه فأما العالمون بالنفوس وقواها فيجيبون عن ذلك بأن يقولوا قد علمنا إن القوي النفسانية تبلغ أن يتأثر لها أجرام العالم فهذا من ذلك القبيل ويحتج بصاحب العين وبعلم الزجر وأمثال ذلك مما يشبه هذا الفن وأما إن كان عنده علم بمجاري الكواكب ويرى قواها وسيران ذلك في العالم العنصري على مقادير مخصوصة يقول إن الطالع أعطاه ذلك وإن روحانية الكواكب تمده وإنه بهذا الطالع في مسقط النطفة شرفت عنه وأعطته هذه القوي نفسا شريفة ونال بها المراتب العلية في الإلهيات والذي قال به صحيح فإن الله أودع هذا كله في العالم العلوي حين خلقه ابتلاء
(٨٣)