والابتناء المسمى في عالم الحس نكاحا فيتولد عن هذا النكاح أمثال الزوجين من كل حيوان ونبات فيظهر إنسان من إنسانين وفرس من فرسين وقد يقع الالتحام من غير المثلين فيتولد بينهما شكل غريب ما يشبه عين واحد من الزوجين كالبغل بين الحمار والفرس وكل مولد بين شكلين مختلفين لا يولد أبدا فإنه عقيم فهو الذي يولد ولا يلد فنكاح مثل هذا النوع ليس لولادة ولكن لمجرد الشهوة والالتذاذ فيشبه النكاح الأول هذا النكاح الذي حرج عنه غير جنس الزوجين من كونه نكاحا في غير الجنس فيتولد بينهما الشكل الغريب ما يشبه واحدا منهما أعني من الزوجين فافهم وتلقيح الشجر بالرياح اللواقح من النكاح الطبيعي وأما الريح العقيم فيشبه نكاحها نكاح الشكل الغريب الذي لا يتولد عنه شئ وأعراس هذا النكاح الطبيعي ما هو المشهود في العرف المسمى عرسا في الشاهد من الولائم والضرب بالدفوف وأما ما يتولد من النكاح الطبيعي في الشجر فهو ما يعطيه من الثمر عند هذا الحمل وصورة وقع نكاح الأشجار زمان جرى الماء في العود وهو عند طلوع السعود فهو نكاح سعيد في طالع سعيد وما قبل ذلك فهو زمان خطبة ورسل تمشي بين الزوجين الرجل والمرأة ووقوع الولادة على قدر زمان حمل هذين النوعين من الشجر فمنه ما يولد في الربيع ومنه ما يولد في الصيف كما يكون حمل الحيوان يختلف زمانه باختلاف طبيعته فإنه لا يقبل من تأثير الزمان فيه إلا بقدر ما يعطيه مزاجه وطبعه فإذا نكح الجو الأرض وأنزل الماء ودبرته في رحمها آثار الأنوار الفلكية ضحكت الأرض بالأزهار وأنبتت من كل زوج بهيج وإنما كان زوجا من أجل ما يطلبه من النكاح إذ لا يكون إلا بين الزوجين فعين عرسه هو ما تبرزه من الأزهار والمخلقة في النبات هو ما سلم من الجوائح وغير المخلقة ما نزلت به الجائحة والله على كل شئ قدير فهذا قد ذكرنا طرفا من الخواتم والأعراس مجملا من غير تفصيل لكن حصرنا الأمهات في ذلك وأما الأسرار الأعجمية فإنما سمينها أعجمية لأن العربية من الأسرار هي التي يدركها عين الفهم صورا كالآيات المحكمات في الكتب المنزلة والأسرار الأعجمية ما تدرك بالتعريف لا بالتأويل وهي كالآيات المتشابهات في الكتب المنزلة فلا يعلم تأويلها إلا الله أو من أعلمه الله ليس للفكر في العلم بها دخول ولا له فيها قدم وما يتبع استخراج السر فيها إلا الذي ذكره الله تعالى وهو الذي في قلبه زيغ أي ميل عن الحق باتباعه ما قد ذكر الله فيه أنه لا يعلم تأويله إلا الله فمن أراد أن يعلم ذلك فلا يخض في تلك الأسرار وليتعمل في الطريق الموصلة إلى الله وهو العمل بما شرع الله له بالتقوى فإنه قال تعالى إنه ينتج لصاحبه علم الفرقان فإذا عمل به تولى الله تعليمه تلك الأسرار الأعجمية فإذا أنالها إياه صارت في حقه عربية فيعلم ما أراد الله بها ويزول عنه فيها حكم التشابه الذي كانت توصف به قبل العلم بها لأن الله جلاها متشابهة لها طرفان في الشبه فلا يدري صاحب النظر ما أراد منزلها بها في ذلك التشابه فإنه لا بد من تخليصه إلى أحد الطرفين من وجه خاص وإن جمعت بين الطرفين فلكل طرف منهما ما ليس للآخر من ذلك المخلوق أو من ذلك المنزل إن كان من صور كلام الله فالمنزل كقوله تعالى الرحمن على العرش استوى وكقوله وهو معكم أينما كنتم وكقوله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وكقوله وهو الله في السماوات وفي الأرض وكقوله فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وكقوله وجاء ربك والملك صفا صفا وأمثال هذا في الكتب المنزلة وأما أخبار الرسل المترجمين عن الحق ما أوحى به على ألسنتهم إلينا فلا تحصى كثرة من الأمور المتشابهة فلا يتبع ذلك بعد التعريف إلا من في قلبه زيغ وأما من يتبع الطرق الموصلة إلى الكشف عنها فما هو من أهل الزيغ بل هو من أهل الاستقامة فالمحمدي هو المحكم من الآيات لأنه عربي والمتشابه موسوي لأنه أعجمي فالعجمية عند أهل العجمية عربية والعربية عند الأعاجم عجمة وفي الألفاظ هي مستورة بالاصطلاح وما ثم عجمة إلا في الاصطلاح والألفاظ والصور الظاهرة وأما في المعاني فكلها عربية لا عجمة فيها فمن ادعى علم المعاني وقال بالشبه فلا علم له أضلا بما دعاه إنه علمه من ذلك فإن المعاني كالنصوص عند أهل الألفاظ لأنها بسائط لا تركيب فيها ولولا التركيب ما ظهر للعجمة صورة في الوجود وفي هذا المنزل من العلوم ما لا يحصى كثرة إن ذكرناها طال الأمر فيها ولهذا المنزل السيادة على كل منزل من منازل الجمع والوجود وقد ذكرنا حصر هذه المنازل في هذا الكتاب فيما تقدم
(٥١٧)