يسجد له الآية وكقوله سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق وأمثال هذه الآيات وأما عند أهل الكشف والوجود فكل جزء في العالم بل كل شئ في العالم أوجده الله لا بد أن يكون مستندا في وجوده إلى حقيقة الإلهية فمن حقره أو استهان به فإنما حقر خالقه واستهان به ومظهره وكل ما في الوجود فإنه حكمة أوجدها الله لأنه صنعة حكيم فلا يظهر إلا ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي فمن عمي عن حكمة الأشياء فقد جهل ذلك الشئ ومن جهل كون ذلك الأمر حكمة فقد جهل الحكيم الواضع له ولا شئ أقبح من الجهل فإن قلت فالجهل من العالم وقد قبحته فقد قبحت من استند إليه الجهل في وجوده قلنا كان يصح هذا لو كان الجهل نسبة وجودية فالجهل إنما هو عبارة عن عدم العلم لا غير فليس بأمر وجودي والعدم هو الشر والشر قبيح لنفسه حيثما فرضته ولهذا ورد في الخبر الصحيح أن النبي ص قال في دعائه ربه تعالى والخير كله في يديك والشر ليس إليك فما نسب الشر إليه فلو كان الشر أمرا وجوديا لكان إيجاده إلى الله إذ لا فاعل إلا الله فالوجود كله خير لأنه عين الخير المحض وهو الله تعالى ثم نرجع إلى أصل الباب وهو قولنا من حقر غلب فنبين ذلك في الهمم وذلك أن أصل هذا إن كان كل شخص احتقر شيئا فإن همته تقوى على التأثير فيه وعلى قدر ما يعظم عنده يقل التأثير فيه أو ربما يؤدي إلى أن لا يكون له أثر فيه فإن الانفعال في الأشياء إنما هو للهمم ألا ترى تأثير همم النساء في السحر المعروف عندهم المؤثر في المسحور ولولا ما احتقروا المسحور وقطعوا بهمهم إن هذا الذي يفعلونه قولا أو عملا يؤثر في المسحور ما أثر فيؤثر بلا شك ومن ليست له هذه الهمة في قوة ذلك الفعل ويعظم عنده من يريد أن يسحره من الناس أن يؤثر فيه ذلك العمل أو القول وعمله أو قاله فإنه لا يؤثر جملة واحدة فلهذا قلنا من حقر غلب كما قيل لنا في هذه المنازلة فإذا صدق التوجه صح الوجود ألا ترى الأشياء الكائنة في العالم وهي من العالم تعز أن تكون أثرا عن العالم أو محكومة للعالم فإن الأمثال تأنف من حيث حقيقتها أن يكون المؤثر فيها العالم فتحقر أمثالها أعني جزئيات العالم فتعلق الهمم بإيجاد أمر ما فتنظر في السبب المعين لها على إيجاد ذلك الأمر في العالم وتبحث عنه إن كان من قبل الأفعال أو الأقوال فتشرع في ذلك العمل أو القول فإن كان مما يعز بحيث أن لا تتمكن في الأثر فيه إلا بالتوجه إلى الله فتتوجه في ذلك بالدعاء والصدق إلى الله فتؤثر بذلك التوجه تلك الهمة فإن كان صاحب الهمة مؤمنا احتقر ذلك المؤثر فيه في جنب قوة الله وعظمته وإن لم يكن احتقره في قوة همته وما استعان به على التأثير فيه فهو مغلوب عنده على كل حال وأصله الاحتقار فإن كل شئ في العالم بالنظر إلى عظمة الله حقير وهذا من علم النسب وكل شئ في العالم إذا نظرته بتعظيم الله لا بعظمته فهو عظيم وهو الأدب فإنه لا ينبغي أن ينسب إلى العظيم إلا ما يستعظم فإنه تعظيم عظمته في نفس من نظره بهذا النظر فإن استحقره فلم يعظم في نفسه بوجه ذلك التعظيم الذي في نفس من عظم عنده ذلك الشئ من العالم وربما يحتج بقوله وما ذلك على الله بعزيز فينبغي للعالم أن لا يتصور هذه الآية إلا حتى يتصور عزة ذلك الشئ على أمثاله فإذا حصلت عنده عزة ذلك الشئ حينئذ يقول وما ذلك على الله بعزيز وإن كان علينا بعزيز فيثبت العزيز للعزيز هذا هو الأدب والتعظيم فالشئ على عزته حقير بالنسبة إلى عزة الله التي لا تقبل التأثير لأجل هذا الحكم فإن احتج علينا من علم حقيقة ما كنا أومأنا إليه في حال من يسخط الله ويرضيه هل يدخل هذا الأثر الحاصل من الكون في الجناب الإلهي في هذا الباب أم لا قلنا لا يدخل فإن العالم بكل شئ بيده ملكوت كل شئ وتصريف كل شئ إذ هو الموجد أسباب السخط والرضي والإجابة في الدعاء فما خرج عنه شئ يكون لذلك الشئ أثر فيه فهو محرك العالم ظاهرا وباطنا في كل ما يريد كونه فإنه كان ثم أثر فيه فهو الذي أثر في نفسه ما العالم أثر فيه بل غايتنا فيه إن نقول أثر في نفسه إن قلنا بذلك العالم أي بتقدم هذا السبب وهو إيجاده الأمر الموجب للسخط عليه في هذا الشخص فأسخط الله بهذا الفعل الذي أوجده في هذا العبد لشقاوة هذا العبد أو ليظهر فيه عقوبته ومغفرته وحكم رحمته على قدر ما يظهر فيه عقيب الأمر المسخط وأما قوله في المنازلة من استهين منع فقد يكون من استهين في حقه ذلك الشئ منع لأنه جاهل بما طلب فيكون من استهين ذلك المطلوب في حقه منع لما هو أعلى منه فإن الطالب قد يجهل قدر ما يطلب ويعظم عنده لعدمه إياه وهو عند الله بالنسبة إلى هذا الطالب دون هذا الطالب يمنعه مطلوبه فيتخيل
(٥٢٨)