ولا نشك فيه أنه رسول ونبي فعلمنا أنه ص أراد أنه لا شرع بعده ينسخ شرعه ودخل بهذا القول كل إنسان في العالم من زمان بعثته إلى يوم القيامة في أمته فالخضر وإلياس وعيسى من أمة محمد ص الظاهرة ومن آدم إلى زمان بعثة رسول الله ص من أمته الباطنة فهو النبي بالسابقة وهو النبي بالخاتمة فظهر في رسول الله ص إن السابقة عين الخاتمة في النبوة وأما خاتمية عيسى ع فله ختام دورة الملك فهو آخر رسول ظهر وظهر بصورة آدم في نشئة حيث لم يكن عن أب بشري ولم يشبه الأبناء أعني ذرية آدم في النش ء فإنه لم يلبث في البطن اللبث المعتاد فإنه لم ينتقل في أطوار النشأة الطبيعية بمرور الأزمان المعتادة بل كان انتقاله يشبه البعث أعني إحياء الموتى يوم القيامة في الزمان القليل على صورة من جاءوا عليها في الزمان الكثير فإنه داخل تحت عموم قوله كما بدأكم تعودون في التناسل والتنقل في الأطوار ثم إن عيسى إذا نزل إلى الأرض في آخر الزمان أعطاه ختم الولاية الكبرى من آدم إلى آخر نبي تشريفا لمحمد ص حيث لم يختم الله الولاية العامة في كل أمة إلا برسول تابع إياه ص وحينئذ فله ختم دورة الملك وختم الولاية أعني الولاية العامة فهو من الخواتم في العالم وأما خاتم الولاية المحمدية وهو الختم الخاص لولاية أمة محمد الظاهرة فيدخل في حكم ختميته عيسى ع وغيره كإلياس والخضر وكل ولي لله تعالى من ظاهر الأمة فعيسى ع وإن كان ختما فهو مختوم تحت ختم هذا الخاتم المحمدي وعلمت حديث هذا الخاتم المحمدي بفاس من بلاد المغرب سنة أربع وتسعين وخمسمائة عرفني به الحق وأعطاني علامته ولا أسميه ومنزلته من رسول الله ص شعرة واحدة من جسده ص ولهذا يشعر به إجمالا ولا يعلم به تفصيلا إلا من أعلمه الله به أو من صدقه إن عرفه بنفسه في دعواه ذلك فلذلك عرف بأنه شعرة من الشعور ومثال الشعور أن ترى بابا مغلقا على ميت أو صندوقا مغلقا فتحس فيه بحركة توذن أن في ذلك البيت حيوانا ولكن لا يعلم أي نوع هو من أنواع الحيوان أو يشعر أنه إنسان ولا يعرف له عينا فيفصله من غيره كما نعلم بثقل الصندوق أنه يحتوي على شئ أثقله لا يعلم ما هو عين ذلك الشئ المختزن في ذلك الصندوق فمثل هذا يسمى شعورا لهذا الخفاء وأما ختم الأسماء الإلهية فهو عين سابقتها وهو الهو وهو مثل قوله هو الله الذي لا إله إلا هو فبدأ بهو وأتى بالاسم الله المحيط بجميع الأسماء التي تأتي مفصلة ثم بالنفي فنفى إن يكون هذه المرتبة لغيره ثم أوجبها لنفسه بقوله إلا هو فبدأ بهو وختم بهو فكل ما جاء من تفصيل أعيان الأسماء الإلهية فقد دخل تحت الاسم الله أتى بعد قوله هو فإن كلمة هو أعم من كلمة الله فإنها تدل على الله وعلى كل غائب وكل من له هوية وما ثم إلا من له هوية سواء كان المعلوم أو المذكور موجود أو معدوما وأما الخواتم التي على القلوب فهي خواتم الغيرة الإلهية فما ختم بها إلا الاسم الغيور وهو قوله ص في الله إنه أغير مني ومن غيرته حرم الفواحش وجعل الفواحش ظاهرة وباطنة فقال تعالى لمحمد ص قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن فختم على كل قلب إن تدخله ربوبية الحق فتكون نعتا له فما من أحد يجد في قلبه أنه رب إله بل يعلم كل أحد من نفسه أنه فقير محتاج ذليل قال تعالى كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار فلا يدخله كبرياء إلهي أصلا فجعل البواطن كلها في كل فرد فرد مختوما عليه إن لا يدخلها تأله ولم يعصم الألسنة إن تتلفظ بالدعوى بالألوهة ولا عصم النفوس أن تعتقد الألوهة في غيرها بل هي معصومة أن تعتقدها في نفسها لا في أمثالها لأنه ما كل أحد عالم بالأمور على ما هي عليه ولا يعلم كل أحد أن الأمثال كلها حكمها في الماهية واحد فهذه الخواتم قد انحصرت في تفصيل ما ذكرناه من أنواعها وأما الأعراس الإلهية على تفصيل ما ذكرناه في أول الباب فهي مشتقة من التعريس وهو نزول المسافر في منزلة معلومة في سفره والأسفار معنوية وحسية فالسفر المحسوس معلوم والسفر المعنوي ما يظهر للقلب من المعاني دائما أبدا على التالي والتتابع فإذا مرت بهذا القلب عرست به فكان منزلا لتعريسها وإنما عرست به لتفيده حقيقة ما جاءت به وإنما نسبت إلى الله لأن الله هو الذي أسفرها وأظهرها لهذا القلب وجعله منزلا لها تعرس فيه وهي الشؤون التي قال الحق عن نفسه إنه فيها جل جلاله في كل يوم فالعالم في سفر على الدوام دنيا وآخرة لأن الحق في شؤون الخلق على الدوام دنيا وآخرة والقلوب محل
(٥١٤)