تحصنت فأتاها الروح يمنحها * من فوق سبع سماوات من اللوح أهدى لها هبة عليا مشرفة * أسنى وأشرق فينا من سنا يوح تحيي وليس لها سيف تميت به * تدعى إذا دعيت باللطف بالروح نعني بالهبة عيسى روح الله من قول جبريل لمريم لأهب لك غلاما زكيا ورد في الخبر أنه قيل لرسول الله ص أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه فقال رسول الله ص كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وقد ذكرنا فيما تقدم حديث العماء وأن فيه انفتحت صور العالم والذي يقوم عليه الدليل إن كل شئ سوى الله حادث ولم يكن ثم كان فينفي الدليل كون ما سوى الله في كينونة الحق الواجب الوجود لذاته فدوام الإيجاد لله تعالى ودوام الانفعال للممكنات والممكنات هي العالم فلا يزال التكوين على الدوام والأعيان تظهر على الدوام فلا يزال امتداد الخلاء إلى غير نهاية لأن أعيان الممكنات توجد إلى غير نهاية ولا تعمر بأعيانها إلا الخلاء وقولنا فيما تقدم إن العالم ما عمر سوى الخلاء نريد أنه ما يمكن أن يعمر ملا لأن الملأ هو العامر فلا يعمر في ملا وما ثم إلا ملا أو خلافا لعالم في تجديد أبدا فالآخرة لا نهاية لها ولولا نحن لما قيل دنيا ولا آخرة وإنما كان يقال ممكنات وجدت وتوجد كما هو الأمر فلما عمرنا نحن من الممكنات المخلوقة أماكن معينة إلى أجل مسمى من حين ظهرت أعياننا ونحن صور من صور العالم سمينا ذلك الموطن الدار الدنيا أي الدار القريبة التي عمرناها في أول وجودنا لأعياننا وقد كان العالم ولم نكن نحن مع أن الله تعالى جعل لنا في عمارة الدار الدنيا آجالا ننتهي إليها ثم تنتقل إلى موطن آخر يسمى آخرة فيها ما في هذه الدار الدنيا ولكن متميز بالدار كما هو هنا متميز بالحال ولم يجعل لإقامتنا في تلك الدار الآخرة أجلا تنتهي إليه مدة إقامتنا وجعل تلك الدار محلا للتكوين دائما أبدا إلى غير نهاية وبدل الصفة على الدار الدنيا فصارت بهذا التبديل آخرة والعين باقية وبقي من لا علم له من الله بالأمور في حيرة فعلى الحقيقة ما ثم حيرة في حق العلماء بالله وبنسبة العالم إلى الله فالعلماء في فرحة أبدا ومن عداهم في ظلم الحيرة تائهون دنيا وآخرة ولولا تجديد الخلق مع الأنفاس لوقع الملل في الأعيان لأن الطبيعة تقتضي الملل وهذا الاقتضاء هو الذي حكم بتجديد الأعيان ولذلك قال رسول الله ص عن الله تعالى إن الله لا يمل حتى تملوا فعين ملل العالم هو ملل الحق ولا يمل من العالم إلا من لا كشف له ولا يشهد تجديد العالم مع الأنفاس على الدوام ولا يشهد الله خلاقا على الدوام والملل لا يقع إلا بالاستصحاب فإن قلت فالدوام على تجديد الخلق استصحاب والملل ما وقع مع وجود الاستصحاب قلنا الأحكام الذاتية لا يمكن فيها تبدل والخلاق لذاته يخلق والعالم لذاته ينفعل فلا يصح وجود الملل فالتقليب في النعيم الجديد لا يقتضي الملل في المنقلب فيه لأنه شهود ما لم يشهد بفرح وابتهاج وسرور ولهذا قال تعالى ورحمتي وسعت كل شئ وجد ويوجد إلى غير نهاية فإن الرحمة حكم لا عين فلو كانت عينا وجوديا لانتهت وضاقت عن حصول ما لا يتناهى فيها وإنما هي حكم يحدث في الموجودات بحدوث أعيان الموجودات من الرحمن الرحيم والراسخون في العلم يعني في العلم بالله يقولون آمنا به كل من عند ربنا الرحمة والمرحوم وما يذكر إلا أولوا الألباب وهم الغواصون الذين يستخرجون لب الأمور إلى الشهادة العينية بعد ما كان يستر ذلك اللب القشر الظاهر الذي كان به صونه وهذا يحوي على تسعة آلاف مقام هكذا وقع الإخبار من أهل الكشف والوجود منها ألف مقام لطائفة خاصة ولطائفة أخرى ثلاثة آلاف مقام ولطائفة ثالثة خمسة آلاف مقام فارفع الطوائف الطائفة التي لها ألف مقام وتليها في الرفعة الطائفة التي لها ثلاثة آلاف مقام وتليها الطائفة التي لها خمسة آلاف مقام في الرفعة وأعلى الطوائف من لا مقام له وذلك لأن المقامات حاكمة على من كان فيها ولا شك أن أعلى الطوائف من له الحكم لا من يحكم عليه وهم الإلهيون لكون الحق عينهم وهو أحكم الحاكمين وليس ذلك لأحد من الناس إلا للمحمديين خاصة عناية إلهية سبقت لهم كما قال تعالى في أمثالهم إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون يعني النار فإن النار من جملة هذه المقامات فهم على الحقيقة عن المقامات مبعدون فأصحاب المقامات هم الذين قد انحصرت هممهم إلى غايات ونهايات فإذا وصلوا إلى تلك الغايات تجددت لهم في قلوبهم غايات أخر تكون تلك الغايات التي وصلوا إليها لهم بدايات إلى هذه
(٥٠٦)