تميزا معقولا به يقال عن الواحدة سابقة وعن الأخرى خاتمة وإنما قلنا إن الخاتمة عين السابقة إنما ذلك في الحكم على المحكوم عليه وبالمحكوم عليه تبينت الخاتمة من السابقة واعلم أن الأعراس على قسمين عرس لعقد وعرس لعقد ودخول وعرس بدخول ولا عقد والعقد عبارة عما يقع عليه رضي الزوجين والدخول وطء لوجود لذة أو لإيجاد عين ودخول بلا عقد عرس الإماء ولما لم يكن في الأنكحة أفضل من نكاح الهبة لأنه لا عن عوض كالاسم الواهب الذي يعطي لينعم اختص به لفظه أفضل الخلق وهو محمد ص قال تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين وكل نكاح خارج عما ذكرناه فهو سفاح لا نكاح أي هو بمنزلة الشئ السائل الذي لا ثبات له لأنه لا عقد فيه ولا رباط ولا وثاق ثم نرجع ونقول فأما الخواتم فتعينها الآجال ولولا ذلك ما كان لشئ خاتمة لأن الخاتمة انتهاء في الموصوف بها ولكل خاتمة سابقة ولا ينعكس فمن نظر إلى دوام تنزيل الأمر الإلهي واسترساله قال ما ثم خاتمة ومن نظر إلى الفصل بين الأشياء في التنزل قال بالخواتم في الأشياء لكون الفصول تبينها مثال ذلك ولكن كل هذا في عالم الانقسام والتركيب فإذا نظرت في القرآن مثلا بين الكلمتين والآيتين والسورتين فتقول عند وجود الفصل المميز بين الأمرين فإن وقع بين كلمتين فخاتمة الأولى حرف معين وإن كان آيتان فخاتمة الأولى كلمة معينة وإن كان سورتان فخاتمة الأولى آية معينة وإن كان أمر حادث قيل أجله كذا في الدنيا لأن كل ما في الدنيا يجري إلى أجل مسمى فتنتهي فيه المدة بالأجل فخاتمة ذلك الشئ ما ينتهي إليه حكمه فانتهاء الأنفاس في الحيوان آخر نفس يكون منه عند انتقاله إلى البرزخ ثم تنتهي المدة في البرزخ إلى الفصل بينه وبين البعث ثم تنتهي المدة في القيامة إلى الفصل بينها وبين دخول الدارين ثم تنتهي المدة في النار في حق من هو فيها من أهل الجنة إلى الفصل الذي بين الإقامة فيها والخروج منها بالشفاعة والمنة ثم تنتهي المدة في عذاب أهل النار الذين لا يخرجون منها إلى الفصل بين حال العذاب وبين حصول حكم الرحمة التي وسعت كل شئ فهم يتنعمون في النار باختلاف أمزجتهم كما قد ذكرناه ثم لا يبقى بعد ذلك أجل ظاهر بالمدة ولكن آجال خفية دقيقة وذلك أن المحدث الدائم العين من شأنه تقلب الأحوال عليه ليلزمه الافتقار إلى دوام الوجود له دائما فلا تفارق أحواله الآجال فلا يزال في أحواله بين سابقة وخاتمة وأما الايمان فسابقته لا إله إلا الله وخاتمته إماطة الأذى عن الطريق فعبر الشارع عن السابقة بالأعلى وعن الخاتمة بالأدون فلا أعلى في الايمان من التوحيد ولا أدنى فيه من إماطة الأذى عن الطريق ومن ذلك طريق التوحيد فإن الأذى الذي في طريقه الشرك الجلي والخفي فالخفي الأسباب وهي بين خفي وأخفى فالأخفى الأسباب الباطنة والخفي الأسباب الظاهرة والجلي نسبة الألوهة إلى المحدثات فيميط الموحد هذه كلها عن قلبه وقلب غيره فإنها أذى في طريق التوحيد وكل أذى في طريق من طرق الايمان بحسب الصفة التي تسمى إيمانا فما يضادها يسمى أذى في طريقها فالذي يزال به الأذى من تلك الصفة المعينة هو خاتمة تلك الصفة كان ما كان ولا خاتمة لحكم الله في عباده بالجملة والإطلاق ولا سابقة فإن العدم الذي للممكن المتقدم على وجوده لم يزل مرجحا له بفرض الوجود الإمكاني له فلا سابقة له وهو علم دقيق خفي تصوره سهل ممتنع لأنه سريع التفلت من الذهن عند التصور فليس الحدوث للممكن إلا من حيث وجوده خاصة عند جميع الأنظار وعندنا ليس كذلك وإنما الحدوث عندنا في حقه كون عدمه ووجوده لم يزل مرجحا على كل حال لأنه ممكن لذاته وإن كان بعض النظار قد قال حدوثه ليس سوى إمكانه ولكن ما بين هذا البيان الذي بينته في ذلك يتطرق الاحتمال إلى كلام هذا الحاكم فإنه يحتمل أن يكون عند من أسماء الترادف فيكون كونه يسمى حادثا كونه يسمى ممكنا ويحتمل أن يريد ما أردناه من كون العدم الذي يحكم عليه به أنه لذاته هو عندنا مرجح لم يزل فإن توسعنا في العبارة مع النظار لم نقل إن عدم الممكن لنفسه لأنه لو كان العدم له صفة نفس لاستحال وجوده كما يستحيل وجود المحال ولكن كما نقول تقدم العدم له على الوجود لذاته لا العلم وبينهما فرقان عظيم ولكن ليس مذهبنا فيه إلا إن عدمه لم يزل مرجحا فوجود الممكن له سابقة لكونه لم يكن ثم كان ولكن من حيث عينه إذا كان قائما بنفسه لا من حيث صورته فلا خاتمة له في عينه وله الخواتم في صورته بالأمثال والأضداد فكل حادث سوى الأعيان القائمة بأنفسها فله سابقة وخاتمة لكن
(٥١٢)