وغير قائم بنفسه إلا وهو مسبح ربه بحمده وهذا نعت لا يكون إلا لمن هو موصوف بأنه حي ومن كان مشهده هذا من الموجودات استحى كل الحياء في خلوته التي تسمى جلوة في العامة كما يستحي في جلوته فإنه في جلوة أبدا لأنه لا يخلو عن مكان يقله وسماء تظله ولو لم يكن في مكان لاستحى من أعضائه ورعية بدنه فإنه لا يفعل ما يفعل إلا بها فإنها آلاته وأنه لا بد أن تستشهد فتشهد ولا يستشهد الله إلا عدلا فصاحب هذه الحال لا يصح أن يكون في خلوة أبدا ومن كان هذا حاله فقد لحق بدرجة البهائم والدليل على ذلك أن رسول الله ص قد ذكر عنه في الصحيح أنه قال إن للميت جؤار أو إن السعيد منهم يقول قدموني قدموني يعني إلى قبره وإن الشقي منهم يقول إلى أين تذهبون بي وأخبر ص أن كل شئ يسمع ذلك منه إلا الإنس والجن فدخل تحت قوله كل شئ مما يمر عليه ذلك الميت من جماد ونبات وحيوان وثبت أن رسول الله ص كان راكبا على بغلة فمر على قبر داثر فنفرت البغلة فقال إنها رأت صاحب هذا القبر يعذب في قبره فلذلك نفرت وقار في ناقته لما هاجر ودخل المدينة ترك زمامها فأراد بعض الصحابة أن يمسكها فقال دعوها فإنها مأمورة ولا يؤمر إلا من يعقل الأمر حتى بركت بنفسها بفناء دار أبي أيوب الأنصاري فنزل به وقال في الصحيح أن المؤذن يشهد له مدي صوته من رطب ويابس وهذا كله مباين لكل شئ ولا يشهد هذا من الإنس والجن إلا أفراد من أفراد هذين النوعين فإن الجن يجتمعون مع الإنس في الحد فإن الجن حيوان ناطق إلا أنه اختص بهذا الاسم لاستتاره عن أبصار الإنس غالبا فهم مع الإنس كالظاهر من الإنسان وحده مع باطنه ولذلك قال تعالى في غير هذين النوعين وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم والأمثال هم الذين يشتركون في صفات النفس فكلهم حيوان ناطق ثم قال تعالى فيهم ثم إلى ربهم يحشرون يعني كما تحشرون أنتم وهو قوله تعالى وإذا الوحوش حشرت للشهادة يوم الفصل والقضاء ليفصل الله بينهم كما يفصل بيننا فيأخذ للجماء من القرناء كما ورد وهذا دليل على أنهم مخاطبون مكلفون من عند الله من حيث لا نعلم قال تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فنكر الأمة والنذير وهم من جملة الأمم ونذيرهم قد يكون لكل واحد منهم نذير في ذاته وقد يكون للنوع من جنسه لا بد من ذلك من حيث لا يعلمه ولا يشهده إلا من أشهده الله ذلك كما قال في الشيطان إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم وذكر أنهم يوحون إلى أوليائهم ليجادلونا ويظن المجادل الذي هو ولي الشيطان إن ذلك من نفسه ومن نظره وعلمه وهو من وحي الشيطان إليه يعرف ذلك أهل الكشف عينا ويسمعونه بآذانهم كما يسمعون كل صوت وما من حيوان إلا ويشهد ذلك ولذلك أخرسهم الله عن تبليغ ما يشهدونه إلينا فهم أمناء بصورة الحال في حقنا ولا يكشف الله لأحد من النوع الإنساني ما يكشفه للبهائم مما ذكرناه إلا إذا رزقه الله الأمانة وهي أن يستر عن غيره ما يراه من ذلك إلا بوحي من الله بالتعريف فإن الله ما أخذ بأبصار الإنس وبأسماعهم في الأكثر وبالفهم في أصوات هبوب الرياح وخرير المياه وكل مصوت إلا ليكون ذلك مستورا فإذا أفشاه هذا المكاشف فقد أبطل حكمة الوضع إلا أن يوحى إليه بالكشف عن بعض ذلك فحينئذ يعذر في الإفشاء بذلك القدر وفي هذا المنزل من العلوم علم ثناء الرحماء وعلم من أظهر الشريك وهو لا يعتقده كما أنه من الموحدين من ينفي الشريك وهو يعتقده وهو الذي يرى أن من الأسباب من يفعل الشئ لذاته والموحد في الأفعال يرى أنه لا فاعل إلا الله كمن يقول إذا اجتمع الزاج والعفص وارتفعت الموانع الطبيعية فإنه لا بد من السواد الذي هو المداد مع كونه موحدا والموحد من يرى إيجاد السواد لله كالأشاعرة وأمثالهم وإن الإمكان يقضي أن يكون اجتماعهما مع ارتفاع الموانع الطبيعية ولا يكون سواد إلا إن خلق الله ذلك للون فيه هذا في الطبيعيين وأما في المتكلمين الموحدين فإنهم يقولون إن الناظر إذا عثر على وجه الدليل فإن المدلول يحصل ضرورة مع تفريقهم بين وجه لدليل والمدلول وهذا لا يصح عند السليم العقل فإنه يحصل وجه الدليل ولا يحصل المدلول ولا يتمكن لهم أن يقولوا إن وجه الدليل هو عبارة عن حصول المدلول فإنهم يفرقون بين وجه الدليل والمدلول فلو زادوا مع ضرورة عادة لا عقلا لم يعترض عليهم فإنه لا فرق بين وجه الدليل والرؤية في الرائي بل الرؤية أتم ونحن نعلم بالإيمان أن الله قد أخذ بأبصارنا مع وجود الرؤية فينا
(٤٩١)