واعلم أن الإجابة فرع عن السؤال فهذا عبد مؤثر بسؤاله ودعائه في سيده مؤثر فيه الإجابة لعبده فإن الله قد أثبت لنفسه عز وجل على لسان رسوله ص أن العبد برضى الله فيرضى ويغضب الله فيغضب ويسخط الله فيسخط ويضحك الله فيضحك وما أشبه ذلك مما ورد في الكتاب والسنة والحق تعالى يؤثر في العبد السؤال ليجيب والفعل المسخط للحق ليسخط وذلك لتعلم إن الأمر دوري كروي وأن منتهى الدائرة ترجع لنقطة ابتدائها فينعطف الآخر على الأول ليكون هو الأول والآخر فما أرضاه إلا هو ولا أسخطه إلا هو لأنه يتعالى أن يكون مؤثرا لغيره فافهم وليس لله حكم في العالم إلا ما ذكرناه ألا تراه يقول سنفرغ لكم أيها الثقلان ولا شغل له إلا بنا فمنا يفرع لنا فلو زلنا لكان ولم يكن وجودا وتقديرا ولا يعقل الأمر إلا هكذا ولبطلت الإضافات ولا تبطل لأنها لنفسها هي إضافات فلا يعقل الرب لا مضافا ولذلك ما جاء في القرآن قط مطلقا من غير إضافة وإن اختلفت إضافاته فتارة يضاف إلى أسماء الضمائر وتارة يضاف إلى الأعيان وتارة يضاف إلى الأحوال وإن لم تعقل معرفتك بربك هكذا وإلا فما عرفت ربك أصلا وإنما عرفت بالتقسيم العقلي أن حكم الواجب الوجود لذاته أن يكون كذا وهل ثم واجب وجود لذاته أم لا فلا تعرفه إلا بك وما لم نعرفه إلا بك فلا بد أن يكون العلم به موقوفا على علمك بك فوجودك موقوف على وجوده والعلم بربوبيته عليك موقوف على العلم بك فله الأصل في الوجود ولك حكم لفرع في الوجود وأنت الأصل في العلم به وله حكم الفرع في العلم نش ء صورة الركعة الثالثة من الوتر انتشأ منها رجل من رجال الله يدعى عبد الحميد اعلم أن الثناء على الله على نوعين مطلق ومقيد فالطلق لا يكون إلا مع العجز مثل قوله ص لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك قال قائلهم إذا نحن أثنينا عليك بصالح فأنت الذي نثني وفوق الذي نثني ولا يمكن أن يحيط مخلوق بما يجب لله تعالى من الثناء عليه لأنه لا يمكن أن يدخل في الوجود جميع الممكنات ولكل ممكن وجه خاص إلى الله منه يوجده الله ومنه يعرفه ذلك الممكن ومنه يثنى عليه الثناء الذي لا يعرفه إلا صاحب ذلك الوجه لا يمكن أن يعلمه غيره ولا يدل عليه بلفظ ولا إشارة فهذا مطلق الثناء على الله بكل لسان مما كان ويكون ولهذا ثواب قول القائل سبحان الله عدد خلقه لا يتصور وقوعه في الوجود لكن لا يزال يوجد ثوابه حالا بعد حال على الدوام إلى ما لا يتناهى ولهذا أيضا جاء به الشرع مثلثا أن يقول العبد ذلك ثلاث مراتب ليحصل بذلك الثواب المحسوس والثواب المتخيل والثواب المعنوي فينعم حسا وخيالا وعقلا كما يذكر حسا وخيالا وعقلا كما يعبد حسا وخيالا وعقلا وكذلك ذكر العبد مداد الكلمات الإلهية وكذلك زنة عرشه إذا كان العرش العالم كله بمحدده وكذلك رضا نفسه فيما يفعله أهل الجنة وأهل النار فإنهم ما يفعلون ولا يتصرفون إلا في المراضي الإلهية لأن الموطن يعطيهم ذلك بخلاف موطن الدنيا والتكليف فإنهم يتصرفون في موطن الدنيا بما يرضي الله وبما يسخطه وإنما كان ذلك لكون النار جعلها الله دار من سخط عليه فلا بد أن يتحرك أهلها فيما يسخط الله في دار الدنيا فإذا سكنوا دار النار وعمروها لا يمكن أن يتحركوا إلا في مرضاة الله ولهذا يكون المال لأهلها إلى حكم الرحمة التي وسعت كل شئ وإن كانت دار شقاء كما يقول في الرسول الذي انتهت رسالته وفرع منها وانقلب إلى الله أنه رسول الله وإن كان في ذلك الحال ليس برسول كذلك نقول في دار الشقاء إنها دار شقاء وإن كان أهلها فيها قد زل عنهم الشقاء وأما الثناء المقيد فالحكماء يقيدونه بصفة التنزيه لا غير وإن أثنوا عليه بصفة الفعل فبحكم الكل أو الأصالة لا يحكم لشخص وما عدا الحكماء فيقيدون الثناء على الله بصفة الفعل وصفة التنزيه معا وهؤلاء هم الكمل لأنهم شاركوا الحكماء فيما علموا وزادوا عليهم بما جهله الحكماء ولم يعلموه لقصور همهم للشبهة التي قامت لهم وحكمت عليهم بأنه تعالى ما صدر عنه إلا الواحد المشار إليه فقط وبأنه تعالى لا يجوز عليه ما نعت به نفسه في كتابه إذ لم يثبت عندهم في نظرهم كتاب منزل ولا شخص مرسل على الوجه الذي هو الأمر في نفسه وعند أهل الكشف والايمان انصرف وبعض عقول النظار مثل المتكلمين وغيرهم ممن يقول بذلك من جهة النظر العقلي وقد سر في العالم كله حكم صور هذه الركعات الوترية النبوية من وقت كونه نبيا ص وآدم بين الماء والطين إلى يوم القيامة نش ء صورة الركعة الرابعة من الوتر انتشأ منها
(٤٩٥)