اعلم أيدنا الله وإياك أن البهائم أمم من جملة الأمم لهم تسبيحات تخص كل جنس وصلاة مثل ما لغيرها من المخلوقات فتسبيحهم ما يعلمونه من تنزيه خالقهم فلهم نصيب في ليس كمثله شئ وأما صلاتهم فلهم مع الحق مناجاة خاصة قال تعالى والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه وقال وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك وهي ما شرع الله لها من السبل أن تسلكها ذللا فكل شئ من المخلوقات له كلام يخصه يعلمه الله ويسمعه من فتح الله سمعه لإدراكه وجميع ما يظهر من الحيوان من الحركات والصنائع التي لا تظهر إلا من ذي عقل وفكر وروية وما يرى في ذلك من الأوزان تدل على إن لهم علماء في أنفسهم بذلك كله ثم يرون منهم أمورا تدل على أنهم ما لهم ما للإنسان من التدبير العام فتعارضت عند الناظرين في أمرهم الأمور فانبهم أمرهم عليهم وربما سموا لذلك بهائم من إبهام الأمر إلا عندنا فإنه أوضح من كل واضح وما أتى علي من أتى عليه إلا من عدم الكشف لذلك فلا يعرفون من المخلوقات إلا قدر ما يشاهدونه منهم وكذلك من ألحقهم بدرجة المعارف والعلم بالله وبما أهلهم الله له ما ألحقهم بذلك إلا من كون الله كشف له عن أمرهم وأحوالهم أو مؤمن صادق الايمان قد بلغه عن الله في كتاب أو سنة أمرهم وساعدنا على هذا القول شيخنا وإمامنا المتقدم حجة الله على المحققين الذي يقول فيه أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب إذا حكى عنه قولا قال عالمنا سهل بن عبد الله التستري الذي رأى قلبه يسجد وهو صغير فلم يرفع واستظهر القرآن وهو ابن ست سنين ولما دخلت الخلوة على ذكره فتح لي به من ليلتي تلك الفتح الخاص بذلك الذكر فانكشف لي بنوره ما كان عندي غيبا ثم أفل ذلك النور المكاشف به فقلت هذا مشهد خليلي فعلمت أني وارث من تلك الساعة لملة أمر الله رسوله وأمرنا باتباعها وذلك قوله ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وتحققت أبوته وبنوتي وقد كان شيخنا صالح البربري بإشبيلية قد قال لي يا ولدي إياك أن تذوق الخل بعد العسل فعلمت مراده وكان من أكبر من رأيته من المنقطعين إلى الله تعالى بل المقتطعين ما رأيت على قدمه مثله فجئت الشيخ بكرة وقلت له ما كان في منظوم نظمته إلهي لا عن روية ولا تعمل كما قال أبو العباس بن العريف الصنهاجي وجاء حديث لا يمل سماعه * شهى إلينا نثره ونظامه وكان النظم الذي عملته في حالي كان مثل الخل من بعد العسل * فمضى المصباح عني وأفل وبدت ظلمة ليل حالك * أورثت في القلب أسباب العلل قلت ربي قال لبيك فما * تبتغيه قلت نورا بعمل علم الحق الذي قد قلته * قال باب مغلق قلت أجل قلت هب لي نورك الخالص لي * فبدا النور بلا ضرب مثل في سمائي ثم أرضي ثم ما * بين هذين إلى غير أجل والذي يفهم قولي قد دري * إنني الأمر الذي منه نزل فسر الشيخ بهذا النفس وقال هذا من تجلى الغلس قلت له صدقت كذلك كان قال الحمد لله المنعم على كل حال لو علم الناس النعمة السارية في الأحوال ما فرقوا بين السراء والضراء واتحد الحمد قلت له بل توحد فقال صدقت يا ولدي وأخطأ الشيخ فقبلت يده وقبل رأسي إذا الصادق الداعي أتاك مبينا * فالق إليه السمع إن كنت مؤمنا وقلت رسول الله أنت وسيلتي * إلى مسعدي سرا أقول ومعلنا ولست بإيماني به مترددا * فإني علمت الأمر علما مبينا بكشف أتاني من إلهي بمشهد * يكون لنا يوم القيامة موطنا
(٤٨٨)