وهو الطريق ولذلك قال عمرو بن عثمان المكي في صفة المعرفة والعارفين وكما هم اليوم كذلك يكونون غدا فاعلم إن كنت تفهم تشبيه الله أهل الضلال بالأنعام إنه تعالى ما شبههم بالأنعام نقصا بالأنعام وإنما وقع التشبيه في الحيرة لا في المحار فيه فلأشد حيرة في الله من العلماء بالله ولذلك ورد عن رسول الله ص أنه قال لربه زدني فيك تحيرا لما علم من علو مقام الحيرة لأهل التجلي لاختلاف الصور وتصديق هذا الحديث قوله لا أحصي ثناء عليك أنت كما ثنيت على نفسك وقد علمنا ما أثنى الله به على نفسه من بسط يديه بالإنفاق وفرحه بتوبة عبده وغير ذلك من أمثاله ومن ليس كمثله شئ وما قدروا الله حق قدره وقول رسول الله ص لو يعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا فانظر في تنبيهه ص على حسن استعدادهم وسواء استعدادنا حتى أنه من كان بهذه المثابة من الفكرة في الموت فغايته أن يحصل له استعداد البهائم وهو ثناء على من حصل في هذا المقام وارتفاع في حقه وكيف ينظر البهائم دون الإنسان في الاحتقار وغاية الثناء عليك من الله أن تشاركها في صفتها فاشحذ فؤادك وقل رب زدني علما فإن لله في خلقه أسرارا ولذلك خلقكم أطوارا واعلم أن البهائم وإن كانت مسخرة مذللة من الله للإنسان فلا تغفل عن كونك مسخرا لها بما تقوم به من النظر في مصالحها في سقيها وعلفها وما يصلح لها من تنظيف أماكنها ومباشرة القاذورات والأزبال من أجلها ووقايتها من الحر والبرد المؤذيات لها فهذا وأمثاله من كون الحق سخرك لها وجعل في نفسك الحاجة إليها فإنها التي تحمل أثقالك إلى بلد لم تكن تبلغه إلا بنصف ذاتك وهو شق الأنفس أي ما كنت تصل إليه إلا بالوهم والتخيل لا بالحس إلا بوساطة هذه المراكب فلا فضل لك عليها بالتسخير فإن الله أحوجك إليها أكثر مما أحوجها إليك ألا ترى إلى غضب رسول الله ص حين سئل عن ضالة الإبل كيف قال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها فما جعل لها إليك حاجة وجعل فيك الحاجة إليها وجميع البهائم تفر منك ممن لها آلة الفرار وما هذا إلا لاستغنائها عنك وما جبلت عليه من العلم بأنك ضار لها ثم طلبك لها وبذل مجهودك في تحصيل شئ منها دليل على افتقارك إليها فبالله من تكون البهائم أغنى منه كيف يحصل في نفسه أنه أفضل منها صدق القائل ما هلك امرؤ عرف قدره فوالله ما يعرف الأمور إلا من شهدها ذوقا وعاينها كشفا لا يعرف الشوق إلا من يكابده * ولا الصبابة إلا من يعانيها ما وصل إليك خبر الفيل وحبسه وامتناعه من القدوم على خراب بيت الله ما بلغك ما فعلت الطير بأصحاب الفيل وما رمتهم به من الحجارة التي لها خاصية في القتل دون غيرها من الأحجار أترى يصدر ذلك منها من غير وحي إلهي انيها بذلك فكم من فيل كان في العالم وكم من أصحاب غزاة كانوا في العالم لما ظهر مثل هذا الأمر في هؤلاء وما ظهر في غيرهم وهل يوحي الله إلى من لا يعقل عنه وهل قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم هل ذلك إلا ليفهموا لتقوم عليهم الحجة إذا خالفوا أو يعملوا بما فهموا فيسعدوا هل سمعت في النبوة الأولى والثانية قط إن حيوانا أو شيئا من غير الحيوان عصى أمر الله أو لم يقبل وحي الله أين أنت من فرار الحجر بثوب موسى ع حتى بدت لقومه سوأته ليعلموا كذبهم فيما نسبوه إليه وبرأه الله مما قالوا أترى فرار الحجر هل كان عن غير أمر الله إياه بذلك أترى إباية السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة واشفاقهم منها عن غير علم بقدر الأمانة وما يؤول إليه أمر من حملها فلم يحفظ حق الله فيها وعلمهم بالفرق بين العرض والأمر فلما كان عرض تخيير احتاطوا لأنفسهم وطلبوا السلامة ولما أمرهم الحق تعالى بالإتيان فقال للسماء والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين طاعة لأمر الله وحذرا أن يؤتى بهما على كره أترى لو نزل القرآن على جبل فخشع وتصدع من خشية الله أترى ذلك منه عن غيره علم بقدر ما أنزل الله عليه وما خاطب به من التخويفات التي تذوب لها صم الجبال الشامخات كم بين الله ورسوله لنا ما هي المخلوقات عليه من العلم بالله والطاعة له والقيام بحقه ولا نؤمن ولا نسمع ونتناول ما ليس الأمر عليه لنكون من المؤمنين ونحن على الحقيقة من المكذبين ورجحنا حسنا على الايمان بما عرفنا به ربنا لما لم نشاهد ذلك مشاهدة عين واعلم أنه من علم إن الموجودات كلها ما منها إلا من هو حي ناطق أو حيوان ناطق المسمى جمادا أو نباتا أو ميتا لأنه ما من شئ من قائم بنفسه
(٤٩٠)