فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليدع * فما ثم إلا الله فالعلم علمنا إذا قلت يا الله لي من الحشا * فإن قلت من هذا يقول أنا أنا أنا الواهب المحسان في كل حالة * وذلك نعت لا يكون لغيرنا وما ثم غير بل أقول بما أتت * به رسلنا فالقول منا بنا لنا وليس رسولي غير نعتي ولا الذي * أخاطبه غيري فعينك عيننا فكل شئ في العالم يقال فيه عند أهل النظر وفي العامة إنه ليس بحي ولا حيوان فإن الله عندنا قد فطره لما خلقه على المعرفة به والعلم وهو حي ناطق بتسبيح ربه يدركه المؤمن بإيمانه ويدركه أهل الكشف عينا وأما الحيوان ففطره الله على العلم به تعالى ونطقه بتسبيحه وجعل له شهوة لم تكن لغيره من المخلوقات ممن تقدم ذكره آنفا وفطر الملائكة على المعرفة والإرادة لا الشهوة وأمرهم وأخبر أنهم لا يعصونه لما خلق لهم من الإرادة ولولا الإرادة ما أثنى عليهم بأنهم لا يعصونه ويفعلون ما يؤمرون وفطر الجن والإنس على المعرفة والشهوة وهو تعلق خاص في الإرادة لأن الشهوة إرادة طبيعية فليس للانس والجن إرادة إلهية كما للملائكة بل إرادة طبيعية تسمى شهوة وفطرهما على العقل لا لاكتساب علم ولكن جعله الله آلة للانس والجن ليردعوا به الشهوة في هذه الدار الآخرة ولذلك قال في الدار الآخرة لأهل الجنان ولكم فيها ما تشتهي أنفكسم أعلاما لنا بأن النشأة الآخرة التي ينشئنا فيها طبيعية مثل نشأة الدنيا لأن الشهوة لا تكون إلا في النفوس الطبعية والنفوس الطبعية ما لها نصيب في الإرادة فإذا استفاد الإنسان أو الجان علما من غير كشف فإن ذلك مما جعل الله فيه من قوة الفكر فكل ما أعطاه الفكر للنفس الناطقة وكان علما في نفس الأمر فهو من الفكر بالموافقة فالعلوم التي في الإنسان إنما هي بالفطرة والضرورة والإلهام والكشف الذي يكون له إنما يكشف له عن العلم الذي فطره الله عليه فيرى معلومه وأما بالفكر فمحال الوصول به إلى العلم فإن قيل من أين علمت هذا وما هو من مدركات الحس فلم يبق إلا النظر قلنا ليس كما نقول بل بقي الإلهام والإعلام الإلهي فتتلقاه النفس الناطقة من ربها كشفا وذوقا من الوجه الخاص التي لها ولكل موجود سوى الله فالفكر الصحيح لا يزيد على الإمكان وما يعطي إلا هو وهذا من علم الله وإعلامه لم يدرك ذلك بالفكر كان ابن عطاء راكبا على جمل فغاصت رجل الجمل فقال ابن عطاء جل الله فقال الجمل جل الله يزيد عن إجلالك فكان الجمل أعلم بالله من ابن عطاء فاستحى ابن عطاء فهذا من علم البهائم بالله وأما رسول الله ص فإنه ذكر في الصحيح أن بقرة في زمن بني إسرائيل حمل عليها صاحبها فقالت ما خلقت لهذا وإنما خلقت للحرث فقالت الصحابة أبقرة تكلم فقال رسول الله ص آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر وذلك أن الروح الأمين أخبره فلو عاينها رسول الله ص لما قال آمنت فهذه بقرة من أصناف الحيوان قد علمت ما خلقت له والإنس والجن خلقوا ليعبدوا الله وما علموا ذلك إلا بتعريف الله على لسان الرسول وهو في فطرتهم ولكن ما كشف لهم عما هم عليه ومر بعض أهل الله على رجل راكب على حمار وهو يضرب رأس الحمار حتى يسرع في المشي فقال له الرجل لم تضرب على رأس الحمار فقال له الحمار دعه فإنه على رأسه يضرب فهذا حمار قد علم ما تؤل إليه الأمور بالفطرة لا بالفكرة فانظر يا محجوب أين مرتبتك من مرتبة البهائم البهائم تعرفك وتعرف ما يؤول إليه أمرك وتعرف ما خلقت له وأنت جهلت هذا كله ومع هذا فالبهائم في الحيرة في الله وهم مفطورون عليها إقامتها المقام الذي يصل إليه أهل النظر الصحيح في الله وأهل التجلي ولذلك قال الله فيمن لم يعرف الله إن هم إلا كالأنعام يعني في الضلال الذي هو الحيرة ثم قال بل هم أضل سبيلا والسبيل الطريق فزاد وإضلالا أي حيرة في الطريق التي يطلبونها للوصول إلى معرفة ربهم من طريق أفكارهم فهذه حيرة زائدة على الحيرة في الله وكذلك قال فيهم حيثما قال إنما جعل الزيادة في السبيل وليس إلا الفكر والتفكر فيما منع التفكر فيه وهو النظر في ذات الله فقال ومن كان في هذه أعمى وهو حال الجهل بالله كما هو في نفس الأمر من حيث الذات فهو في الآخرة أعمى كما هو في الدنيا ثم زاد فقال وأضل سبيلا
(٤٨٩)