أرواحها حكم فيها ذلك التجلي حكمه في الجبل فبعد إن كان قائما بتدبير الجسد زال عن قيامه فظهر حكم الصعق في جسد موسى وما هو إلا إزالة قيام المدبر له خاصة كما زال الجبل عن وتديته فثبت في نفسه ولم يثبت غيره فإن الجبل ما وضعه الله إلا ليسكن به ميد الأرض فزال حكمه إذا زالت جبليته كما زال تدبير الروح لجسد صاحب الصعق إذ زال قيامه به فأفاق موسى بعد صعقه ولم يرجع الجبل إلى وتديته لأنه لم يكن هناك من يطلبه لوجود العوض هو غيره من الجبال وهذا الجسد الخاص ما له مدبر مخلوق سوى هذا الروح فطلب الجسم من الله بالحال مدبره فرده الله إليه فأفاق فالنشأة الطبيعية تحفظ التدبير على روحها المدبر لها لأنها لا غنى لها عن مدبر يدبرها والأرض لا تحفظ وتدية جبل عليه معين لاستغنائها عنه بأمثاله لكن لا غنى لها عن المجموع إذا طلب السكون فهذا سبب علة إفاقة موسى وعدم رجوع الوتدية للجبل فالجبال مخلوقة بالأصالة صفة الرحمة واللطف والتنزل فظهرت ابتداء بصورة القهر حيث سكنت ميد الأرض فكانت رحمتها في القهر فلا تعرف التواضع فإنها ما كانت أرضا ثم صارت جبالا فأول جبل أنزله الله عن قهره وجبروته بالحجاب الذي كان الحق احتجب عنه حجاب شهود لا حجاب علم جبل موسى بالتدكدك فصار أرضا بعد ما كان جبلا فهو أول جبل عرف نفسه ثم بعد ذلك في القيامة تصير الجبال دكا دكا لتجلى الحق إذا كانت كالعهن المنفوش فمد الأرض إنما هو مزيد امتداد الجبال وتصييرها أرضا فما كان منها في العلو في الجو إذا انبسط زاد في بسط الأرض ولهذا جاء الخبر أن الله يمد الأرض يوم القيامة مد الأديم فشبه مدها بمد الأديم وإذا مد الإنسان الأديم فإنه يطول من غير أن يزيد فيه شئ لم يكن في عينه وإنما كان فيه تقبض ونتوء فلما مدا نبسط عن قبضه وفرش ذلك النتوء الذي كان فيه فزاد في سعة الأرض ورفع المنخفض منها حتى بسطة فزاد فيها ما كان من طول من سطحها إلى القاع منها كما يكون في الجلد سواء فلا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا فيأخذ البصر جميع من في الموقف بلا حجاب من ارتفاع وانخفاض ليرى الخلق بعضهم بعضا فيشهدوا حكم الله بالفصل والقضاء في عباده لوجود الصفتين وحكم القدمين من الظاهر والباطن فلولا ظهور الحق ما كان إنسان * ولولا بطون الحق ما قام برهان فما ثم إلا واجب ثم واجب * إذا ما علمت الأمر ما ثم إمكان فما أكمل في الكون من عين ذاته * وهذا الذي سماه في الكون إنسان وما ثم مقصود سواه فإنه * هو الحق لا يحجبك خلد ونيران فإن الذي أبداه أعلم أنه * له غضب يبديه ووقتا ورضوان فلا بد من دارين دار كرامة * ودار عذاب فيه للعقل تبيان وهذا الذي جئنا به في كلامنا * هو الحق إن فكرت ما فيه بهتان وكيف لا تعرف هذا من نفس ما نطقت به وترجمت عنه وقد علمت بأن الحق أيدني * فما أفوه به عنه وقيدني به فلا تبرح الأرواح تنزل بي * على الدوام وتهواني فتقصدني وذاك أن لنا عينا مكملة * بها يرى نفسه من كان يشهدني لذاك أوجدني ربي وخصصني * فكل ما فيه منه حين يوجدني وانظر إلي ترى في صورتي عجبا * في كل حال إله الحق يسعدني إذا هممت بأمر لا يقاومه * أمر وجدت إلهي فيه يعضدني فكل عقل يرى ربي يوحده * والحق حين يراني بي يوحدني فالله يعلم ما في الغيب من عجب * وبالوصول إليه الحق يفردني وفي هذا المنزل من العلوم ما في الكتب الأربعة وهي القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وفيه علم ما سبب إنزال الكتب وما نزل إلا كلام على الرسل وكتب عن الرسل في الكتب وإنما نزل كتابة إلى السماء الدنيا فيما نقل وذلك ليلة القدر
(٤٨٦)