ظاهرا وباطنا ثم قال أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين أي بين الخصومة ظاهر بها وقال خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين وذلك لدعواه في الربوبية وما خلقه الله إلا عبدا فلا يتجاوز قدره فنازع ربه في ربوبيته وما نازعه مخلوق إلا هو ووصف خصومته بالإبانة دون من وصفه بالخصومة من الملأ الأعلى وغيرهم وفي دعوى غير الربوبية فإنه ما من خصام يكون من مخلوق في أمر خلاف دعوى الربوبية إلا وهو ممكن أن يكون الحق بيده في ذلك ويخفى على السامع والحاكم فلا يدري هل الحق معه أو مع خصمه وهل هو صادق في دعواه أو هو كاذب للاحتمال المتطرق في ذلك إلا دعواه في الربوبية فإنه يعلم من نفسه ويعلم كل سامع من خلق الله أنه كاذب في دعواه وأنه عبد ولذلك خلقه الله فلهذا قيل فيه إنه خصيم مبين أي ظاهر الظلم في خصومته فمن نازع ربه في ربوبيته كيف يكون حاله ثم إن هذا الإنسان ليته يسعى في ذلك في حق نفسه فإنه يعلم من نفسه أنه ليس له حظ في الربوبية ثم يعترف بالربوبية لخلق من خلق الله من حجر أو نبات أو حيوان أو إنسان مثله أو جان أو ملك أو كوكب فإنه ما بقي صنف من المخلوقات إلا وقد عبد منه وما عبده إلا الإنسان الحيوان فأشقى الناس من باع آخرته بدنيا غيره ومن هلك فيما لا يحصل بيده منه شئ فيشهد على نفسه أنه أجهل الناس بغيره وأعلم الناس بنفسه لأنه ما ادعاها لنفسه ومن ادعاها لنفسه فإنما استخف قومه فأطاعوه لذلك وهو يعلم خلاف ذلك من نفسه ولذلك قال ما علمت لكم من إله غيري أي في اعتقادكم واعلم أن الحق تعالى لا يخلق شيئا بشئ لكن يخلق شيئا عند شئ فكل ما يقتضي الاستعانة والسببية فهي لام الحكمة فما خلق الله شيئا إلا للحق والحق أن يعبدوه فإذا هو خصيم مبين وما ذاك إلا من عمى القلوب التي في الصدور عن الحق فلو كانت غير معرضة عن الحق مقبلة عليه لأبصرت الحق فأقرت بالربوبية له في كل شئ ولم يشرك بعبادة ربه أحدا ولذلك قال فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا والصالح الذي لا يدخله خلل فإن ظهر فيه خلل فليس بصالح وليس الخلل في العمل وعدم الصلاح فيه إلا الشرك فقال ولا يشرك بعبادة ربه أحدا فنكر فعم كل من ينطلق عليه اسم أحد وهو كل شئ في عالم الخلق والأمر وعم الشرك الأصغر وهو الشرك الذي في العموم وهو الربوبية المستورة المنتهكة في مثل فعلت وصنعت وفعل فلان ولولا فلان فهذا هو الشرك المغفور فإنك إذا راجعت أصحاب هذا القول فيه رجعوا إلى الله تعالى والشرك الذي في الخصوص فهم الذين يجعلون مع الله إلها آخر وهو الظلم العظيم الذي ظلموا به هذا المقول عليه إنه إله مع الله فظلموا الله في وحدانية الألوهية له وظلموا الشريك في نسبة الألوهية إليه فيأخذهم الله بظلم الشريك لا بظلمه في أحديته فإن الذي جعلوه شريكا يتبرأ منهم يوم القيامة حيث تظهر الحقوق إلى أربابها المستحقين لها فعلى الحقيقة أن الله لا يخلق شيئا بشئ وإن خلقه لشئ فتلك لام الحكمة وعين خلقه عين الحكمة إذ خلقه تعالى لا يعلل فالخلق عبد بالذات أثرت فيه العوارض ولا سيما الشخص الإنساني بل ما أثرت العوارض إلا في الشخص الإنساني وحده دون سائر الخلق وما سواه فعلى أصله من تنزيه خالقه عن الشريك ولذلك قال وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون وهذا ضمير الجمع في تفقهون إنما هم الناس خاصة فجميع المخلوقات عبدوا الله إلا بعض الناس فالإنسان ألد الخصام حيث خاصم فيما هو ظاهر الظلم فيه وليس إلا الربوبية وهل رأيتم عبدا يخاصم ربه إلا إذا خرج عن عبوديته وزاحم سيده في ربوبيته فادعى ملكا لنفسه فإذا تصرف فيه سيده نازعه فيه وخاصمه فما وقعت خصومة من عبد في عبودية وإنما وقعت فيما هو رب فيه ومالك له وكثير من أهل الله من العلماء منهم ممن لا أذكره ولا أسميه فإن هذه النسبة إليه نسبة تنص على جهله فلذلك تأدبت معه فقرروا المخلوق به على وجهين فمنهم من جعل هذا الحق المخلوق به عين علة الخلق والحق تعالى لا يعلل خلقه هذا هو الصحيح في نفسه حتى لا يعقل فيه أمر يوجب عليه ما ظهر من خلقه بل خلقه الخلق منة منه على الخلق وابتداء فضل وهو الغني عن العالمين ومنهم من جعل هذا الحق المخلوق به عينا موجودة بها خلق الله ما سواها وهم القائلون بأنه ما صدر عن الواحد إلا واحد وكان صدور ذلك الواحد صدور معلول عن علة أوجبت العلة صدوره وهذا فيه ما فيه والذي أقول به إنه إذا جاء أمر الله فالآمر الأمر * وذلك توحيد إلى من له الأمر
(٣٥٥)