وفي الهواء غير أنهم ليست لهم قدم محسوسة في السماء وبهذا زاد على الجماعة رسول الله ص بإسراء الجسم واختراق السماوات والأفلاك حسا وقطع مسافات حقيقية محسوسة وذلك كله لورثته معنى لا حسا من السماوات فما فوقها فلنذكر من إسراء أهل الله ما أشهدني الله خاصة من ذلك فإن إسراءاتهم تختلف لأنها معان متجسدة بخلاف الإسراء المحسوس فمعارج الأولياء معارج أرواح ورؤية قلوب وصور برزخيات ومعان متجسدات فمما شهدته من ذلك وقد ذكرناه في كتابنا المسمى بالإسراء وترتيب الرحلة ألم تر أن الله أسرى بعبده * من الحرم الأدنى إلى المسجد الأقصى إلى أن علا السبع السماوات قاصدا * إلى بيته المعمور بالملأ الأعلى إلى السدرة العلياء وكرسيه الأحمى * إلى عرشه الأسنى إلى المستوي الأزهى إلى سبحات الوجه حين تقشعت * سحاب العمي عن عين مقلته النجلا وكان تدليه على الأمر إذ دنى * من الله قربا قاب قوسين أو أدنى وكانت عيون الكون عنه بمعزل * تلاحظ ما يسقيه بالمورد الأحلى فخاطبه بالأنس صوت عتيقه * توقف فرب العرش سبحانه صلى فأزعجه ذاك الخطاب وقال هل * يصلي إلهي ما سمعت به يتلى وشال حجاب العلم عن عين قلبه * وأوحى إليه في الغيوب الذي أوحى فعاين ما لا يقدر الخلق قدره * وأيده الرحمن بالعروة الوثقى وألفاه تواقا إلى وجه ربه * فأكرمه الرحمن بالمنظر الأجلى ومن قبل ذا قد كان أشهد قلبه * بغار حراء قبل ذلك في المجلى فإذا أراد الله تعالى أن يسرى بأرواح من شاء من ورثة رسله وأوليائه لأجل أن يريهم من آياته فهو إسراء لزيادة علم وفتح عين فهم فيختلف مسراهم فمنهم من أسرى به فيه فهذا الإسراء فيه حل تركيبهم فيوقفهم بهذا الإسراء على ما يناسبهم من كل عالم بأن يمر بهم على أصناف العالم المركب والبسيط فيترك مع كل عالم من ذاته ما يناسبه وصورة تركه معه أن يرسل الله بينه وبين ما ترك منه مع ذلك الصنف من العالم حجابا فلا يشهده ويبقى له شهود ما بقي حتى يبقى بالسر الإلهي الذي هو الوجه الخاص الذي من الله إليه فإذا بقي وحده رفع عنه حجاب الستر فيبقى معه تعالى كما بقي كل شئ منه مع مناسبه فيبقى العبد في هذا الإسراء هو لا هو فإذا بقي هو لا هو أسرى به من حيث هو لا من حيث لا هو إسراء معنويا لطيفا فيه لأنه في الأصل على صورة العالم وصورته على صورته تعالى فكله على صورته من حيث هو تعالى فإن العالم على صورة الحق والإنسان على صورة العالم فالإنسان على صورة الحق فإن المساوي لأحد المتساويين مساو لكل واحد من المتساويين فإنه إذا كان كل ألف با وكل با جيم فكل ألف جيم فلينظر جيم من حيث هو ألف لا من حيث هو با كذلك ينظر الإنسان نفسه من حيث هو على صورة الحق لا من حيث هو على صورة العالم وإن كان العالم على صورة الحق ولما كان الترتيب على ما وقع عليه الوجود لتأخر النشأة الجسمية الإنسانية عن العالم فكانت آخرا فظهرت في نشأتها على صورة العالم وما كان العالم على الكمال في صورة الحق حتى وجد الإنسان فيه فبه كمل العالم فهو الأول بالمرتبة والآخر بالوجود فالإنسان من حيث رتبته أقدم من حيث جسميته فالعالم بالإنسان على صورة الحق والإنسان دون العالم على صورة الحق والعالم دون الإنسان ليس على الكمال في صورة الحق ولا يقال في الشئ إنه على صورة كذا حتى يكون هو من كل وجوهه إلا الذي لا يمكن أن يقال فيه هو كما قلنا في جيم إنه ألف لكونه با والباء ألف ولكن قد تميز عين كل واحد بأمر ليس هو عين الآخر وهو كون الألف ألف والباء باء والجيم جيم كذلك الحق حق والإنسان إنسان والعالم عالم وقد بان ذلك بالتساوي فإنه إن لم تكن ثم حقيقة يقع بها تميز الأعيان لم يصح أن تقول كذا مساو لكذا بل تقول عين كذا
(٣٤٣)