في الحس من حيث جملته لكن من حيث أجزاء تلك الجملة فإن كانت القوة المصورة قد صورت ذلك عن أمر العقل بقوة الفكر فذلك لطلبه العلم بأمر ما والعلم مقيد بلا شك وإن كان ما صورته المصورة عن أمر الوهم لا من حيث ما تصرف به العقل من حكم الوهم بل من الوهم نفسه فإن تلك الصورة لا تبقي فإن الوهم سريع الزوال لإطلاقه بخلاف العقل فإنه مقيد محبوس بما استفاده ولما كان الغالب على الخلق حكم الأوهام لسلطنة الوهم على العقل فإنه أثر فيه إنه لا يقبل معنى يعلم قطعا أنه ليس بمادة ولا في مادة إلا بتصور وذلك التصور ليس غير الصورة التي لا يحكم بها إلا الوهم فصار العقل مقيدا بالوهم بلا شك فيما هو به عالم بالنظر وأما علمه الضروري فليس للوهم عليه سلطان وبه يعلم أن ثم معاني ليست بمواد ولا في أعيان مواد وإن لم يقبلها بالنظر إلا في مواد من خلف حجاب رقيق يعطيه الوهم ولما علم الحق ما ركب عليه العالم المكلف مما ذكرناه أرسل الرسل إلى الناس والمكلفين فوقفوا في حضرة الخيال خاصة ليجمعوا بين الطرفين بين المعاني والمحسوسات فهو موقف الرسل ع فقالوا لبعض الناس من هذه الحضرة اعبد الله كأنك تراه ثم نبه هذا المخاطب المكلف بعد هذا التقرير على أمر آخر الطف منه لأنه علم إن ثم رجالا علموا إن ثم معاني مجردة عن المواد فقال له فإن لم تكن تراه أي تقف مع دليلك الذي أعلمك أنك لا تراه فإنه يعني الله يراك أي ألزم الحياء منه والوقوف عند ما كلفك فعدل في الخطاب إلى حكم وهم ألطف من الحكم الأول فإنه لا بد لهذا المكلف أن يعلم أنه يراه إما بعقله أو بقول الشرع وبكل وجه فلا بد أن يقيده الوهم فإن العبد بحيث يراه الله فأخرجه عنه فحده إذ ميزه مع علمه أنه ليس كمثله شئ فحيره وهذه الحيرة سارية في العالم النوري والناري والترابي لأن العالم ما ظهر إلا على ما هو عليه في العلم الإلهي وما هو في العلم لا يتبدل فالمرتبة الإلهية تنفي بذاتها التقييد عنها والقوابل تنفي الإطلاق عنها بالوقوع فعلمت سبب الحيرة في الوجود ما هو قال تعالى ما يبدل القول لدي أي ما حكم به العلم وسبق به الكتاب فعرفنا ذلك من العلم والكتاب إذ كان له الحكم والخلفاء إنما هم خلفاء العلم والكتاب فالعلم والكتاب حجابان عن الحق الذي هو غني عن العالمين فمرجع الكون للعلم والكتاب فتنتج الأهواء مع إطلاقها ما تنتجه العقول مع تقييدها فلا يسلم لعقل حكم أصلا بلا وهم في هذه النشأة لأن النشأة لها ولادة على كل من ظهر فيها وما ثم أعلى من الحق رتبة ومع هذا تخيلته وقال لها تخيليني أمرها بذلك لكونه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ووسعها ما تعطيه حقيقتها وجعل سعادتها في ذلك التخيل ثم قال لها ليس كمثله شئ فجمعت بين التنزيه فقيدته وبين التشبيه فقيدته فإنها مقيدة فلا تعلم إلا التقييد الذي هو حقيقتها فالعقل ينتج ما الأهواء تنتجه * فإنه عن هوى قد كان مخرجه فليس يحكم في شئ بغير هوى * إلا الضروري والفكر يخرجه وقد نبه الحق عباده في كتابه العزيز إن عنده خزانة خزائن كل شئ والخزائن تقتضي الحصر والحصر يقتضي التقييد ثم بين أنه ما ينزل شيئا منها إلا بقدر معلوم وهو تقييد ولولا التقييد بين المقدمتين الذي يربطهما ما ظهرت بينهما نتيجة أصلا ولا ظهر خلق عن حق أصلا ولهذا سرى النكاح في المعاني والمحسوسات للتوالد قديما وحديثا ولكن لا يفقهون حديثا أي أنتم يا محجوبون لا تعلمون ما نحدثكم به فإن الشرع كله حديث وخبر إلهي بما يقبله العقل والوهم حتى تعم الفائدة ويكون كل من في الكون مخاطبا ويا علماء بالله وبالأمر لا تعلمون حديثا بل تعلمون قديما وإن حدث عندكم فما هو حديث العين ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وما هو إلا كلام الله المنعوت بالقدم فحدث عندهم حين سمعوه فهو محدث بالإتيان قديم بالعين وجاء في مواد حادثة ما وقع السمع ولا تعلق إلا بها وتعلق الفهم بما دلت عليه هذه الأخبار والذي دلت عليه منه ما هو موصوف بالقدم ومنه ما هو موصوف بالحدوث فله الحدوث من وجه والقدم من وجه ولذلك قال من قال إن الحق يسمع بما به يبصر بما به يتكلم والعين واحدة والأحكام تختلف قال تعالى إن يشأ يذهبكم فعلق الذهاب بالمشيئة وقال وإنا على ذهاب به لقادرون فعلق الذهاب بالاقتدار فما به قدرته أراد وشاء وهنا علم شريف وهو أن متعلق القدرة الإيجاد لا الإعدام فيتعرض هنا أمران الأمر الواحد أن الذهاب المراد هنا
(٣٦٥)