فإنك لن تأخذ إلا على قدر استعدادك فلا يحجبنك عنه بأمثالنا فإنك لن تعلم منه من جهتنا إلا ما نعلم منه من تجليه فإنا لا نعطيك منه إلا على قدر استعدادك فلا فرق فانتسب إليه فإنه ما أرسلنا إلا لندعوكم إليه لا لندعوكم إلينا فهي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله قلت كذا جاء في القرآن قال وكذلك هو قلت بما ذا سمعت كلام الله قال بسمعي قلت وما سمعك قال هو قلت فبما ذا اختصصت قال بذوق في ذلك لا يعلمه إلا صاحبه قلت له فكذلك أصحاب الأذواق قال نعم والأذواق على قدر المراتب ثم ودعته وانصرفت فنزلت بإبراهيم الخليل ع فسلمت عليه فرد وسهل ورحب فقلت يا أبت لم قلت بل فعله كبيرهم قال لأنهم قائلون بكبرياء الحق على آلهتهم التي اتخذوها قلت فإشارتك بقولك هذا قال أنت تعلمها قلت إني أعلم أنها إشارة ابتداء وخبره محذوف يدل عليه قولك بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إقامة الحجة عليهم منهم فقال ما زدت على ما كان عليه الأمر قلت فما قولك في الأنوار الثلاثة أكان عن اعتقاد قال لا بل عن تعريف لإقامة الحجة على القوم ألا ترى إلى ما قال الحق في ذلك وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه وما كان اعتقاد القوم في الإله إلا أنه نمروذ بن كنعان لم تكن تلك الأنوار آلهتهم ولا كان نمروذ إلها عندهم لهم وإنما كانوا يرجعون في عبادتهم لما نحتوه آلهة لا إليه ولذلك لما قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت لم يجرأ نمروذ أن ينسب الأحياء والإماتة لآلهتهم التي وضعها لهم لئلا يفتضح فقال أنا أحيي وأميت فعدل إلى نفسه تنزيها لآلهتهم عندهم حتى لا يتزلزل الحاضرون ولما علم إبراهيم قصور أفهام الحاضرين عما جاء به لو فصله وطال المجلس فعدل إلى الأقرب في أفهامهم فذكر حديث إتيان الله بالشمس من المشرق وطلبه أن يأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر فقلت له هذا إعجاز من الله كونه بهت فيما له فيه مقال وإن كان فاسدا لأنه لو قاله قيل له قد كانت الشمس طالعة من المشرق وأنت لم تكن وأكذبه من تقدمه بالسن على البديهة فقال وما المقال قلت يقول ما نفعل الأمر بحكمك ولا تبطل الحكمة لأجلك قال صدقت فكان بهته إعجازا من الله سبحانه حتى علم الحاضرون أن إبراهيم ع على الحق ولم يكن لنمرود أن يدعي الألوهة ثم رأيت البيت المعمور فإذا به قلبي وإذا بالملائكة التي تدخله كل يوم تجلى الحق له سبحانه الذي وسعه في سبعين ألف حجاب من نور وظلمة فهو يتجلى فيها لقلب عبده لو تجلى دونها لأحرقت سبحات وجهه عالم الخلق من ذلك العبد فلما فارقته جئت سدرة المنتهى فوقفت بين فروعها الدنيا والقصوى وقد غشيتها أنوار الأعمال وصدحت في ذري أفنانها طيور أرواح العاملين وهي على نشأة الإنسان وأما الأنهار الأربعة فعلوم الوهب الإلهي الأربعة التي ذكرناها في جزء لنا سميناه مراتب علوم الوهب ثم عاينت متكئات رفارف العارفين فغشيتني الأنوار حتى صرت كلي نورا وخلع على خلعة ما رأيت مثلها فقلت إلهي الآيات شتات فأنزل علي عند هذا القول قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فأعطاني في هذه الآية كل الآيات وقرب على الأمر وجعلها لي مفتاح كل علم فعلمت أني مجموع من ذكر لي وكانت لي بذلك البشرى بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد ص فإنه آخر مرسل وآخر من إليه تنزل آتاه الله جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأمم فعم برسالته لعموم ست جهاته فمن أي جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ينفق عليك فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه فعند ما حصل لي ذلك قلت حسبي حسبي قد ملأ أركاني فما وسعني مكاني وأزال عني به إمكاني فحصلت في هذا الإسراء معاني الأسماء كلها فرأيتها ترجع إلى مسمى واحد وعين واحدة فكان ذلك المسمى مشهودي وتلك العين وجودي فما كانت رحلتي إلا في ودلالتي إلا علي ومن هنا علمت أني عبد محض ما في من الربوبية شئ أصلا وفتحت خزائن هذا المنزل فرأيت فيها من العلوم علم أحدية عبودة التشريف ولم أكن رأيته قبل ذلك وإنما كنت رأيت جمعية العبودية ورأيت علم الغيب بعين الشهادة وأين منقطع الغيب من العالم ويرجع الكل في حق العبد شهادة وأعني بالغيب غيب الوجود أي ما هو في الوجود وهو مغيب عن بعض الأبصار والبصائر وأما غيب ما ليس بموجود فمفتاح ذلك الغيب لا يعلمه إلا هو تعالى ورأيت فيه علم القرب والبعد ممن وعمن
(٣٥٠)