في المسرفين لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم فجاء بالمغفرة والرحمة في حق التائب وصاحب العمل الصالح كما جاء بهما في المسرفين الذين لم يتوبوا ونهاهم عن القنوط وأكد بقوله جميعا وأكثر من هذا الإفصاح الإلهي في مال عباده إلى الرحمة ما يكون مع عمارة الدارين الجنة وجهنم وإن لكل واحدة منهما ملأها لا يخرجون منها فعطاء الله لا مانع له وإنما الاسم المانع إنما متعلقة أن نعيم زيد ممنوع عن عمرو كما إن نعيم عمرو ممنوع عن زيد فهذا حكم المانع لا أنه يمنع شمول الرحمة ورأيت فيها علم الفرق بين مفاضلة المفضولين في الدنيا وبينهم في الآخرة ورأيت فيها علم من ترك ما هو عليه لما ذا ترك وسببه ورأيت فيها علم إن الله هو المعبود في كل معبود من خلف حجاب الصورة ورأيت فيها علم الرفق بالعالم ومعاملة كل صنف بما يليق به من الرفق ورأيت فيها علم ما يجني الإنسان إلا ثمرة غرسه لا غير ورأيت فيها علم الحدود في التصرفات ومقاديرها وأوزانها ورأيت فيها علم التخلق بالأخلاق الإلهية من كونه ربا خاصة ورأيت فيها علم حكم مرتبة الجزء من الكل وإن كان الجزء على صورة الكل ورأيت فيها علم نتاج المقدمتين الفاسدتين علما صحيحا مثل كل إنسان حجر وكل حجر حيوان فكل إنسان حيوان فلم يلزم من فساد المقدمتين أن لا تكون النتيجة صحيحة وهذا لا يعرف ميزانه ورأيت فيها علم تأثير المثل في مثله بما ذا أثر فيه وليس أحدهما بأولى من الآخر ولا أحق بنسبة التأثير إليه والمثلان ضدان فافهم ورأيت فيها علم العبث وكيف يصح مع قوله تعالى وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلا والعبث فيما بينهما فبأي نظر يكون عبثا وبأي نظر لا يكون باطلا وقول الله تعالى أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا فقيد وما قيد الباطل ورأيت علم فضل الذكور على الإناث وهي مفاضلة عرضية لا ذاتية ورأيت فيها علم أحكام المحال والحال والمكان والمتمكن فيه ورأيت فيها علم الحجب المانعة من التأثير الإلهي في المحجوب بها ورأيت فيها علم سلطنة الأحدية وأنه لا يبقى لسلطانها أحد وهل يصح فيها تجل أم لا فالذي قال بالتجلي فيها ما يريد هل أحدية الواحد أو أحدية المجموع وكذلك من لا يقول بالتجلي فيها هل يريد أحدية الواحد أو أحدية المجموع ورأيت فيها علم آداب السماع وترك الكلام عنده ورأيت علم إلحاق الأدنى بالأعلى في حكم ضرب المثل له ومن هو هذا الأعلى وبما ذا كان أعلى ورأيت فيها علم المجبور على الثناء على من كان يذمه قبل الجبر ورأيت فيها علم السبب المانع الذي يمنع العاقل من سلوك الأشد والأخذ بالأولى والأحق ورأيت فيها علم العروج والنزول من الشخص الواحد لاختلاف الأحوال ومن نزل لما ذا نزل ومن أنزله ومن صعد لما ذا صعد ومن أصعده ورأيت فيها علم أحوال الناس في البرزخ فإنه تقابلت فيه الأخبار فهل يعم التقابل أو يخص وهل العموم والخصوص في الزمان أو في الأشخاص ورأيت فيها علم ما فائدة الآيات التي لا تأتي للاعجاز فلأي شئ أتت ورأيت فيها علم ما السبب الذي أجرأ الضعيف من جميع الوجوه على القوي من جميع الوجوه مع علمه بأنه قادر على إهلاكه ورأيت فيها علم طاعة إبليس ربه في كل شئ إلا في السجود لآدم وما ذكر آدم بأنه عصى نهي الله وقيل في إبليس أبى ولم يقل فيه عصى أمر الله هل ذلك شرف يرجع لآدم لكونه على الصورة وما لإبليس هذا المقام وذكر الله في آدم أنه عصى ربه فذكر من عصى ولم يذكر في حق إبليس إلا أبى ولم يذكر أنه أبى امتثال أمر ربه وفي آية أخرى قيل لم يكن من الساجدين وفي آية أخرى قيل استكبر وفي آية أخرى قال أأسجد لمن خلقت طينا وفي آية أخرى قيل أبى أن يكون مع الساجدين فانظر ما أفادك الحق في هذه الآيات وما في طيها من الأسرار ورأيت فيها علم الاغترار ورأيت فيها علم من فضل آدم من المخلوقين وأن فضله لم يعم وهكذا أخبرني رسول الله ص في واقعة رأيتها وهكذا أخبر الخليل إبراهيم ع شيخنا أبا مدين بأن فضل آدم لم يعم ورأيت فيها علم الإمامة والإمام ورأيت فيها علم إن الدنيا عنوان الآخرة وضرب مثال لها وأن حكم ما فيها هو أتم وأكمل في الآخرة ورأيت فيها علم السبب الذي لأجله يميل قلب صاحب العلم بالشئ عما يعطيه علمه وما حكمه ورأيت فيها علم سنة الله في عباده لا تتبدل ورأيت فيها علم توقيت محادثة الحق التي لا بد لصاحب العناية منها والجمع بين الشهود والمحادثة وما يكون من المحادثة مسامرة وإن الحق لا يمتنع من المسامرة ويمتنع من المحادثة في أوقات ما وهي خطاب إلهي من العبد لله ومن الله للعبد وما ينتج هذا العلم لمن علمه يوم القيامة ورأيت فيها علم أحوال الصادقين في
(٣٥٣)