الرجل والتثبت مخافة الوقوع في مهلك من مهالكه فإذا ثبت قدمي في موضع أحس به ولا أبصره حينئذ شرعت في نقله أطلب موضعا أنتقل إليه فإذا وقعت قدمي بفراغ علمت إن هنالك مهلكا فسرت أتتبع بقدمي يمينا وشمالا حتى أجد لقدمي موضعا يستقر فيه وأنا معتمد على القدم الأخرى وما زلت كذلك أنتقل من مكان إلى مكان في هذه الظلمة ولا أبصر شيئا لعدم النور من الخارج المقارن لنور بصري فكان رجلي بصري فعلمت من ذلك قدر ما تصرفت فيه وأنا على حذر ما أدري ما يعرض لي في طريقي من حيوان يؤذيني ولا أحس به حتى يوقع الأذى بي ومع هذا خاطرت بنفسي لأني قلت أنا في ظلمة على كل حال فسواء علي قعدت أو تصرفت فإني إذا قعدت لم آمن أن يأتيني حيوان يؤذيني وإن تصرفت لم آمن أيضا من حيوان يؤذيني أو مهلك أقع فيه فالتثبت في التصرف أرجى لي فرجحته على القعود طلبا للفائدة فبينا أنا كذلك إذ فجئني نور الشرع من خارج بصورة سراج مصباح لا تحركه الأهواء لكونه في مشكاة ومشكاته الرسول فهو محفوظ من الأهواء التي تطفيه وذلك المصباح في زجاجة قلبه وجسمه المصباح واللسان ترجمته والإمداد الإلهي زيته والشجرة حضرة إمداده فاجتمع نور البصر مع هذا النور الخارج فكشفنا ما في الطريق من المهالك والحيوانات المضرة فاجتنبنا كل ما يخاف منها ويحذر وسلكنا محجة بيضاء ما فيها مهلك ولا حيوان مضر ولو تعرض إلينا عدلنا عنه لاتساع الطريق وسهولته والموانع والحصون التي فيه المانعة ضرر تلك الحيوانات فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور وبعد أن ظهر هذا المصباح لم ينطف ولا زال فمن استدبره وأعرض عنه مشى في ظلمة ذاته وتلك الظلمة ظلمته فيكون ممن جنى على نفسه بإعراضه عن المصباح واستدباره فهذا حكم من ترك الشرع واستقل بنظره فهو وإن ثبت في سعيه لظلمة ذاته على خطر من دواب الطريق وإن لم يقع في مهلك فينبغي للعاقل أن لا يستعجل في أمر له فيه أناة ولا يتأتى في أمر يكون الحق في المبادرة إليه والإسراع في تحصيله هذا فائدة العقل في العاقل ورأيت في هذا المنزل علوما جمة منها علم الحاصل في عين الفائت لأنه لولا ذلك ما علمت فضل الحاصل على الفائت في حقك إذا كان فيه سعادتك ولا فضل الفائت على الحاصل إذا كان الفائت مطلوبك ولو حصل لك أشقاك وأنت لا تعلم فكان الفضل فيه في حقك فوته فإن بفوته سعدت وهذا لا يكون إلا لمن أسعده الله وهو قوله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ومنه ما روى أن رسول الله ص قبل رسالته كان يرعى الغنم بالبادية فيريد أن يدخل إلى مكة ليصيب فيها ما يصيب الشبان فإذا دخل مكة وترك في الغنم بعض من يعرفه يحفظها حتى يأتي إليه يرسل الله عليه النوم فيفوته تحصيل ما دخل من أجله فيستعجل الرجوع إلى غنمه فيخرج وقد فاته ما دخل من أجله وكانت في ذلك عصمته وحفظه من حيث لا يشعر ويقال في المثل في هذا المعنى من العصمة أن لا تجد وفي هذا المنزل من العلوم علم أحدية الأفعال وهو أمر مختلف فيه فمن مثبت ذلك للحق تعالى ومن مثبت ذلك للخلق فهو أحدي في الطائفتين ومن مثبت في ذلك شركا خفيا وهم القائلون بالكسب وفيه علم ما لا يعلم إلا بالوهب ليس للكشف فيه مدخل جملة واحدة وهو ما لا يدرك إلا بذات المدرك اسم فاعل على حسب ما هو المدرك اسم فاعل عليه فإن كان ممن تنسب إليه الحواس فالحواس له ذاتية لا محالها المعين لها وإن كان ممن لا تنسب إليه الحواس فإدراكه للأمور المحسوسة كصاحب الحواس أيضا بذاته ولا يقال إنها محسوسة له لأنه لا ينسب إليه حس فهي معلومة له والحواس طريق موصلة إلى العلم والعلم بالأمر هو المطلوب لا بما حصل فقد رأيت الأكمه يدرك الفرق بين الألوان مع فقد حس البصر وجعل الله بصره في لمسه فيبصر بما به يلمس وفيه علم الإعلام بتوحيد الحق نفسه في ألوهيته بأي لسان اعلم ذلك وما السمع الذي أدرك هذا الإعلام الإلهي إذا تبعه الفهم عنه فإن لم يتبعه فهم فهل يقال فيه إنه سمع أم لا وفيه علم رتبة الإنسان الحيوان ومزاحمته الإنسان الكامل بالقوة فيما لا يكون من الإنسان الكامل إلا بالفعل وأن الإنسان الكامل يخالف الإنسان الحيوان في الحكم فإن الإنسان الحيوان يرزق رزق الحيوان وهو للكامل وزيادة فإن الكامل له رزق إلهي لا يناله الإنسان الحيوان وهو ما يتغذى به من علوم الفكر الذي لا يكون للإنسان الحيوان والكشف والذوق والفكر الصحيح وفيه علم رحمة الله بالعالم حيث أحالهم على الأسباب وما جعل لهم رزقا إلا فيها
(٣٥٧)