فلا غرو أن الكون في كل حالة * يقر لملك الملك بالرق والملك فالوجود الحادث والقديم مربوط بعضه ببعضه ربط الإضافة والحكم لا ربط وجود العين فالإنسان مثلا موجود العين من حيث ما هو إنسان وفي حال وجوده معلوم الأبوة إذا لم يكن له ابن يعطيه وجوده أو تقدير وجوده نعت الأبوة وكذلك أيضا هو معدوم نعت المالك ما لم يكن له ملك يملكه به يقال إنه مالك وكذلك الملك وإن كان موجود العين لا يقال فيه ملك حتى يكون له مالك يملكه فالله من حيث ذاته ووجوده غني عن العالمين ومن كونه ربا يطلب المربوب بلا شك فهو من حيث العين لا يطلب ومن حيث الربوبية يطلب المربوب وجودا وتقديرا وقد ذكرنا أن كل حكم في العالم لا بد أن يستند إلى نعت إلهي إلا النعت الذاتي الذي يستحقه الحق لذاته وبه كان غنيا والنعت الذاتي الذي للعالم بالاستحقاق وبه كان فقيرا بل عبدا فإنه أحق من نعت الفقر وإن كان الفقر والذلة على السواء ولهذا قال الحق لأبي يزيد تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار والقادر على الشئ والانفعال الذاتي عن الشئ لا يتصف ذلك القادر ولا الذي عنه انفعل ما انفعل بالافتقار بخلاف المنفعل فإنه موصوف بالذلة والافتقار فتميز الحق من الخلق بهذا وإن كان الخلق بالحق والحق بالخلق مرتبطا بوجه فالأمر كما قررناه وهذا المنزل قد حواه فيقول القائل فلما ذا يستند الحكم بالهوى وهو موجود في الكون والحق لا يحكم بالهوى فالأهواء ما مستندها قلنا إن تفطنت لقول الله تعالى إن ربك فعال لما يريد فلم يصف نفسه بالتحجير عليه في حكمه والكون موصوف بالتحجير فتوجه عليه الخطاب بأنه لا يحكم بكل ما يريد بل بما شرع له ثم إنه لما قيل احكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى أي لا تحكم بكل ما يخطر لك ولا بما يهوى كل أحد منك بل احكم بما أوحى به إليك فإن الله تعالى قال جبر القلب خلفائه قل يا محمد رب احكم بالحق أي ولا تفعل ما تريد فليكن حكمك في الأمم يوم القيامة بما شرعت لهم وبعثتنا به إليهم فإن ذلك مما يراد فإنك ما أرسلتنا إلا بما تريد حتى يثبت صدقنا عندهم وتقوم الحجة عليهم إذا حكم الحق في كل أمة بما أرسل به نبيه إليهم وبهذا تكون لله الحجة البالغة فدل التحجير على الخلق في الأهواء أن لهم الإطلاق بما هم في نفوسهم ثم حدث التحجير في الحكم والتحكم كما أنه فعال لما يريد ثم إنه ما حكم إلا بما شرع وأمر عبده أن يسأله تعالى في ذلك حتى يكون حكمه فيه عن سؤال عبده كما كان حكم العبد بما قيده من الشرع عن أمر ربه بذلك فليست الأهواء إلا مطلق الإرادات فقد علمت لما ذا استندت الأهواء واستند التحجير ثم لتعلم إن الهوى وإن كان مطلقا فلا يقع له حكم إلا مقيدا فإنه من حيث القابل يكون الأثر فالقابل لا بد أن يقيده فإنه بالهوى قد يريد القيام والقعود من العين الواحدة التي تقبلهما على البدل في حال وجود كل واحد منهما في تلك العين والقابل لا يقبل ذلك فصار الهوى محجورا عليه بالقابل فلما قبل الهوى التحجير بالقابل علمنا إن هذا القبول له قبول ذاتي فحجر الشرع عليه فقبل وظهر حكم القابل في الهوى ظهوره في مطلق الإرادة فيمن اتصف بها فلما خلق الله النفس الناطقة أو الخليفة قل ما شئت خلق فيه قوى روحانية معنوية نسبية معقولة وإن كانت هذه القوي عين من اتصف بها كالأسماء والصفات الإلهية التي مرجعها وكثرتها إلى نسب في عين واحدة لا تقبل الكثرة في عينها ولا العدد الوجودي العيني فكان من القوي التي خلقها في هذا الخليفة بل في الإنسان الكامل والحيوان وهو مطلق الإنسان قوة تسمى الوهم وقوة تسمى العقل وقوة تسمى الفكر وميز الحضرات الثلاثة لهذا الخليفة وولاة عليها حضرة المحسوسات وحضرة المعاني المجردة في نفسها عن المواد وإن لم يظهر بعضها إلا في بعض المواد وحضرة الخيال وجعل الخيال حضرة متوسطة بين طرفي الحس والمعنى وهو خزانة الجبايات التي تجبيها الحواس وجعل فيه قوة مصورة تحت حكم العقل والوهم يتصرف فيها العقل بالأمر وكذلك الوهم أيضا يتصرف فيها بالأمر وقوى في هذه النشأة سلطان الوهم على العقل فلم يجعل في قوة العقل أن يدرك أمرا من الأمور التي ليس من شأنها أن تكون عين مواد أو تكون لا تعقل من جهة ما إلا في غير مادة كالصفات المنسوبة إلى الله المنزه عن إن يكون مادة أو في مادة فعلمه المنسوب إليه ما هو مادة ولا ينسب إلى مادة فلم يكن في قوة العقل مع علمه بهذا إذا خاض فيه أن يقبله إلا بتصور وهذا التصور من حكم الوهم عليه لا من حكمه فالحس يرفع إلى الخيال ما يدركه وتركب القوة المصورة في الخيال ما شاءته مما لا وجود له
(٣٦٤)