فيه وعليه ولولا ذكره الطريقة التي بها نال معرفة هذه الأشياء ما أنكره عليه أحد فالناس كلهم لا أحاشي منهم من أحد يضربون الأمثال لله وقد تواطئوا على ذلك ولا واحد منهم ينكر على الآخر والله يقول فلا تضربوا لله الأمثال وهم في عماية عن هذه الآية فأما أولياء الله فلا يضربون لله الأمثال فإن الله هو الذي يضرب الأمثال للناس لعلمه بمواقعها لأن الله يعلم ونحن لا نعلم فيشهد الولي ما ضربه الله من الأمثال فيرى في ذلك الشهود عين الجامع الذي بين المثل وبين ما ضرب له ذلك المثل فهو عينه من حيث ذلك الجامع وما هو عينه من حيث ما هو مثل فالولي لا يضرب لله الأمثال بل هو يعرف ما ضرب الله له الأمثال كقوله تعالى الله نور السماوات والأرض مثل نوره أي صفة نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء بما ضربه لعباده من هذا النور بالمصباح لنوره الممثل به من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم فهذا مصباح مخصوص ما هو كل مصباح فلا ينبغي أن يقال نور الله كالمصباح من كونه يكشف المصباح كل ما انبسط عليه نوره لصاحب بصر مثل هذا لا يقال فإن الله ما ذكر ما ذكره من شروط هذا المصباح ونعوته وصفاته الممثل به سدى فمثل هذا المصباح هو الذي يضرب به المثل فإن الله يعلم كيف يضرب الأمثال وقد قال إنه ما يضرب الأمثال إلا للناس ونهانا أن نضرب لله الأمثال فإن الله يعلم ونحن لا نعلم فإن ضربنا الأمثال فلننظر فإن كان الله قد ضرب في ذلك مثلا للناس فلنقف عنده وهو الأدب الإلهي وإن لم نجد لله في ذلك مثلا مضروبا فلنضرب عند ذلك مثلا للناس الذين لا يعلمون ذلك إلا بالمثل المضروب وإن أنصفنا فلا نضربه لله فإن الله يعلمه وتتحرى الصواب في ضرب ذلك المثل إن كنت صاحب فكر واعتبار وإن كنت صاحب كشف وشهود فلا تتحرى فإنك على بينة من ربك فلا تقصد ما أنت فيه بل تبديه كما شهدته مثل ما يحكى ما ضرب الله لنفسه من المثل فهذه حالة أولياء الله في ضرب الأمثال كما قال في اختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف رجما بالغيب لأنهم ما شاهدوهم ولذا جاء بفعل الاستقبال فقال سيقولون ثلاثة الآية ثم قال قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم يعني كم عددهم إلا قليل إما من شاهدهم ممن لا يغلب عليه الوهم وإما من أعلمه الله بعدتهم وقال تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم من باب الإشارة في الجمع بين الآيتين ولكن كما قال من أنه رابع ثلاثة لا ثالث ثلاثة لأنه لا يقال رابع أربعة إلا في الجنس الواحد والأمثال فإذا انتفت المثلية لم يقل فيه إنه خامس خمسة إذا كان معهم وإنما يقال فيه خامس أربعة أو سادس خمسة ألا ترى الكلب لما لم يكن من النوع الإنساني قالوا سبعة وثامنهم كلبهم ولم يقولوا ثمانية ثامنهم كلبهم فافهم تصب إن شاء الله فلا تضرب لرب الكون * من أكوانه مثلا * فلا أحد يماثله * فجل بذاته وعلا فلم أضرب له مثلا * وكل الناس قد فعلا * فلا تضرب له مثلا * وكن في حزب من عقلا فلما أراد الله أن يسرى بي ليريني من آياته في أسمائه من أسمائي وهو حظ ميراثنا من الإسراء أزالني عن مكاني وعرج بي على براق إمكاني فزج بي في أركاني فلم أر أرضى تصحبني فقيل لي أخذه الوالد الأصلي الذي خلقه الله من تراب فلما فارقت ركن الماء فقدت بعضي فقيل لي إنك مخلوق من ماء مهين فأهانته ذلته فلصق بالتراب فلهذا فارقته فنقص مني جزآن فلما جئت ركن الهواء تغيرت على الأهواء وقال لي الهواء ما كان فيك مني فلا يزول عني فإنه لا ينبغي له أن يعدو قدره ولا يمد رجله في غير بساطه فإن لي عليك مطالبة بما غيره مني تعفينك فإنه لولاه ما كنت مسنونا فإني طيب بالذات خبيث بصحبة من جاورني فلما خبثتني صحبته ومجاورته قيل فيه حمأ مسنون فعاد خبثه عليه فإنه هو المنعوت وهو الذي غيرني في مشام أهل الشم من أهل الروائح فقلت له ولما ذا أتركه عندك قال حتى يزول عنه هذا الخبث الذي اكتسبه من عفونتك ومجاورة طينك ومائك فتركته عنده فلما وصلت إلى ركن النار قيل قد جاء الفخار فقيل وقد بعث إليه قال نعم قيل ومن معه قال جبريل الجبر فهو مضطر في رحلته ومفارقة بنيته فقال لي عنده في نشأته جزء مني لا أتركه معه إذ قد وصل إلى الحضرة التي يظهر فيها ملكي واقتداري ونفوذ تصرفي فنفذت إلى السماء الأولى وما بقي
(٣٤٥)