من الأفعال والأحوال ليتذكر بعقله شهوده ذلك من ربه فيه في حال عدمه لما كان عليه من الثبوت الذي أوجب له قبول التصرف إلهي فيه وبتلك الحالة الثبوتية امتثل أمر الحق بالتكوين فإن الأمر لا يرد إلا على متصف بالسمع فالقول الإلهي لم يزل والسمع الثبوتي لم يزل وما حدث إلا السمع الوجودي الذي هو فرع عن السمع الثبوتي فانتقلت الحال على عين السمع ما انتقل السمع فإن الأعيان لا تنقلب من حال إلى حال وإنما الأحوال تلبسها أحكاما فتلبسها فيتخيل من لا علم له أن العين انتقل فالأحوال تطلب الأسماء الإلهية لا أن الأعيان هي الموصوفة بالطلب ويحدث للأعيان أسماء والقلب بحسب أحكام الأحوال التي تنقلب عليها ولولا الأحوال ما تميزت الأعيان فإنه ما ثم إلا عين واحدة تميزت بذاتها عن واجب الوجود كما اشتركت معه في وجوب الثبوت فله تعالى وجوب الثبوت والوجود ولهذه العين وجوب الثبوت فالأحوال لهذه العين كالأسماء الإلهية للحق فكما إن الأسماء للعين الواحدة لا تعدد المسمى ولا تكثره كذلك الأحوال لهذه العين لا تعددها ولا تكثرها مع معقولية الكثرة والعدد في الأسماء والأحوال وبهذا صح لهذه العين أن يقال فيها إنها على الصورة أي على ما هو عليه الأمر الإلهي فحصل لهذه العين الكمال بالوجود الذي هو من جملة الأحوال التي تقلبت عليها فما نقصها من الكمال إلا وهو نفى حكم وجوب الوجود للتمييز بينها وبين الله إذ لا يرتفع ذلك ولا يصح لها فيه قدم وله تمييز آخر وذلك أن الحق يتقلب في الأحوال لا تتقلب عليه الأحوال لأنه يستحيل أن يكون للحال على الحق حكم بل له تعالى الحكم عليها فلهذا يتقلب فيها ولا تتقلب عليه كل يوم هو في شأن فإنها لو تقلبت عليه أوجبت له أحكاما وعين العالم ليس كذلك تتقلب عليه الأحوال فتظهر فيها أحكامها وتقليبها عليها بيد الله تعالى فأما تقليب الحق في الأحوال فمعلوم بالنزول والاستواء والمعية والضحك والفرح والرضي والغضب وكل حال وصف الحق به نفسه فهو سبحانه يتقلب فيها بالحكم فهذا الفرق بيننا وبين الحق وهو أوضح الفروق وأجلاها فوقعت المشاركة في الأحوال كما وقعت في الأسماء لأن الأسماء هي أسماء الأحوال ومسماها العين كما أنه لها الأسماء بنسبة غير هذه النسبة ومسماها الحق فهو السميع البصير العالم القدير وأنت السميع البصير العالم القدير فحال السمع والبصر والعلم والقدرة لنا وله بنسبتين مختلفتين فإنه هو هو ونحن نحن فلنا آلات ونحن له آلات فإن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده وقال فأجره حتى يسمع كلام الله وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى والآلة رسول الله ص فالتقلب للحق في الأحوال لإظهار أعيانها كتقلب الواحد في مراتب الأعداد لإظهار أعيانها واعلم أن هذا المنزل ما سمي منزل سرين إلا لسر عجيب وهو أن الشئ الواحد تثنيه نفسه لا غيره في المحسوس والمعقول فأما في المحسوس فآدم ثناه ما فتح في ضلعه القصير الأيسر من صورة حواء فكان واحدا في عينه فصار زوجا بها وليست سوى نفسه التي قيل بها فيه إنه واحد وأما في المعقول فالألوهية ليست غير ذاته تعالى ومعقول الألوهة خلاف معقول كونه ذاتا فثنت الألوهة ذات الحق وليست سوى عينها فكما بث في الحس من آدم ومن ثناه من ذاته رجالا كثيرا ونساء على صورة الزوجين كذلك بث من ذات الحق تعالى وكونه إله العالم على صورة هذين المعقولين فالعالم خرج على صورة مؤثر ومؤثر فيه للتوالد أي لتوالد أجزائه فإن الألوهة حكم للذات فيها حكمت بإيجاد العالم فلما آثرت الحكم بإيجاد العالم لذلك ظهر العالم بصورة من أوجده بين مؤثر ومؤثر فيه كما جرى في المحسوس فإن الله ما خلق من آدم وحواء أرضا ولا سماء ولا جبلا ولا غير نوعه بل ما خلق منهما إلا مثلهما في الصورة والحكم إن التي كان الوجود بكونها * ذات يقدس لفظها معناها إني لأهواها وأهوى قربها * مني وأهوى كل من يهواها ليلى ولبنى والرباب وزينب * أتراب من حبي لها محياها لو مت مات وجودها بمماتنا * فوجودنا عين لها وسواها عجبا لنا ولها فإن وجودنا * فرد فلا ثان فمن ثناها ولما كان الأصل واحدا وما ثناه سوى نفسه ولا ظهرت كثرة إلا من عينه كذلك كانت له في كل شئ من العالم آية تدل
(٣١٤)