فلذلك جاء بحرف الخطاب ليفتح اللام وليعلم بآلة الخطاب أنهم قوم مخصوصون لأنه لا يفقد من العالم ضمير الغائب فلا بد له من أهل مثل قوله في السعداء لهم جنات تجري فأتى بضمير الغائب فغابوا عن هؤلاء المخاطبين وفتح اللام فتح رحمة تعطيها قرائن الأحوال ولهذه الأداة مراتب يعامل الحق بها عباده مثل قوله وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ومثل قوله ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه وما كان الله ليضيع إيمانكم وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وخلق لكم ما في الأرض وله ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى فله ولنا ومع هذا فالأدب يلزمنا وبالأدب يكون أصحاب السلطان جلساء من غير انبساط لأن الشهود والانبساط لا يجتمعان قال بعضهم اقعد على البساط وإياك والانبساط إني عبدت من أمر ليس يصلح لي * ولست أعبد من نعتي بصورته فإنه قال هذا لم أقله أنا * وليس سورة حالي غير سورته فإن الدون الأدون إذا نسب إليه ما لا يقتضيه مقامه من الصفات الشريفة يأنف من ذلك لأنه هجو به كما يأنف الشريف أن يوصف بدون ما يستحقه شرفه (وصل) وأما من قال من أصحابنا وذهب إليه كالإمام أبي حامد الغزالي وغيره بأن الفرق بين الولي والنبي نزول الملك فإن الولي ملهم والنبي ينزل عليه الملك مع كونه في أمور يكون ملهما فإنه جامع بين الولاية والنبوة فهذا غلط عندنا من القائلين به ودليل على عدم ذوق القائلين به وإنما الفرقان إنما هو فيما ينزل به الملك لا في نزول الملك فالذي ينزل به الملك على الرسول والنبي خلاف الذي ينزل به الملك على الولي التابع فإن الملك قد ينزل على الولي التابع بالاتباع وبإفهام ما جاء به النبي مما لم يتحقق هذا الولي بالعلم به وإن كان متأخرا عنه بالزمان أعني متأخرا عن زمان وجوده فقد ينزل عليه بتعريف صحة ما جاء به النبي وسقمه مما قد وضع عليه أو توهم أنه صحيح عنه أو ترك لضعف الراوي وهو صحيح في نفس الأمر وقد ينزل عليه الملك بالبشرى من الله بأنه من أهل السعادة والفوز بالأمان كل ذلك في الحياة الدنيا فإن الله عز وجل يقول لهم البشرى في الحياة الدنيا وقال في أهل الاستقامة القائلين بربوبية الله إن الملائكة تنزل عليهم قال تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا ومن أولياء الله من يكون له من الله ذوق الإنزال في التنزيل فما طرأ ما طرأ على القائلين بخلاف هذا إلا من اعتقادهم في نفوسهم أنهم قد عموا بسلوكهم جميع الطرق والمقامات وأنه ما بقي مقام إلا ولهم فيه ذوق وما رأوا أنهم نزل عليهم ملك فاعتقدوا إن ذلك مما يختص به النبي فذوقهم صحيح وحكمهم باطل وهم قائلون إنه من أتى منهم بزيادة قبلت منه لأنه عدل صاحب ذوق ما عندهم تجريح ولا طعن ولا يتعدون ذوقهم فمن هنالك وقع الغلط ولو وصل إليهم ممن نقدمهم أو كان معهم في زمانهم من أهل الله القول بنزول الملك على الولي قبلوه وما ردوه وقد رأينا في الوقائع ممن تقدم جماعة غير قائلين بأمر ما فلما سمعوه منا قبلوه ولم ينكروه لارتفاع التهمة عنهم في أشكالهم وأمثالهم فإن قال أحد من أهل الله من أهل الإشارات وهم أصحاب النداء على رأس البعد إنك قد قلت إنه ما من حقيقة ولا نسبة في العالم إلا وهي صادرة عن نسبة إلهية ومن نسب العالم الافتقار وقد قال أبو يزيد وهو من أهل الكشف والوجود إن الله قال له في بعض مشاهده معه تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار فاعلم أيها المستفيدان الحق تعالى له الرحمة والعفو والكرم والمغفرة وما جاء من ذلك من أسمائه الحسنى وهي له تعالى حقيقة وكذلك له الانتقام والبطش الشديد فهو سبحانه الرحيم العفو الكريم الغفور ذو انتقام ومن المحال أن تكون آثار هذه الأسماء فيه أو يكون محلا لآثارها فرحيم بمن وعفو عمن وكريم على من وغفور لمن وذو انتقام ممن فلا بد أن يقول إن الله الخالق يطلب المخلوق والمخلوق يطلب الخالق وصفة الطالب معروفة والحاصل لا ينفي فلا بد من العالم لأن الحقائق الإلهية تطلبه وقد بينا لك أن معقولية كونه ذاتا ما هي معقولية كونه إلها فثنت المرتبة وليس في الوجود العيني سوى العين فهو من حيث هو غني عن العالمين ومن حيث الأسماء الحسنى التي تطلب العالم لإمكانه لظهور آثارها فيه يطلب وجود العالم فلو كان العالم موجودا ما طلب وجوده فالأسماء
(٣١٦)