مخصصة إذ قصارى الناظر في ذلك التوقف حتى يرى ما تعطيه قرائن الأحوال فيها وهذه آية صاحب الدليل العقلي لكنه جاء هذا للنفي والإثبات للمثلية باللسان العربي والمماثلة في اللسان على غير المماثلة التي اصطلح على إطلاقها العقلاء فيحتاج العاقل أن يتكلف دليلا على إن الحق أراد المماثلة العقلية ولا دليل يطلب من صاحب اللسان فيها فإنه بلسانه نزلت وعلى اصطلاحه ومثل هذا لا يدرك بالقياس ولا بالنظر فإنه يرجع إلى قصد المتكلم ولا يعرف ما في نفس المتكلم إلا بإفصاحه عما في نفسه وقد قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه والعربي لا يعرف المماثلة العقلية ولا ينكرها إذا سمعها وكل لفظ ورد في وصف الله تعالى معرى عن لفظة المثل وحرف كاف الصفة فقد تعرى عن أدوات التشبيه ولحق بالألفاظ المشتركة واعلم أن كاف الصفة لا فرق بينها وبين لفظة المثل وإن كان لهذا الحرف مواطن من جملتها موطن الصفة فإذا وردت في موطن الصفة في اللسان وهو أن تقول زيد كعمرو فإن العرب لا تريد إلا الإفادة فمن المحال أن تجئ بمثل هذا وتريد به أنه يماثله في الإنسانية وهي المماثلة العقلية وإنما تريد أنه كعمرو في الكرم مثلا أو في الشجاعة أو في الفصاحة أو في العلم أو في الحسن وما أشبه ذلك مما دل عليه الحال بقرينته عند السامع لتقع له الفائدة فإذا قال ليس كمثله شئ فلا بد أن يقول فيما ذا أو يدل عليه قرينة الحال في المجلس ولا سيما وقد أردف نفي المماثلة بقوله وهو السميع البصير وهاتان صفتان محققتان في المخلوق فلا بد أن تحقق ما نفى وأن يعلم هل هي كاف الصفات أو غيرها مما يطلبه اللسان منها بما وضعها له فإن كانت كاف صفة هنا فما نفى إلا مماثلة المثل أن يماثل فأثبت المثل له بالهاء التي في مثله وهي ضمير يعود على الحق ومعلوم أن المثل ليس عين مماثله ولو كان عين من هو مثل له ما كان مثلا له لا عقلا ولا شرعا فوجود المثل عين إثبات الغير بلا شك فإن عمت المماثلة فهي العقلية بلا شك ولا ينكرها اللسان وإن خصت فهي لما خصت له حقيقة لا مجازا مثل زيد كالبحر لاتساعه في العلم أو في الجود ومن العلماء من جعل الكاف في ليس كمثله شئ زائدة فإن كانت جاءت لمعنى فما هي زائدة فإن ذلك المعنى الذي سيقت له لا يظهر ولا يحصل إلا بها في نفس المخاطب فانتفى إن تكون زائدة فإن الله ما خلق شيئا باطلا ولا عبثا والزائد لغير معنى إنما هو عبث والعرب من المحال أن تجئ بزائد لغير معنى فإذا جاءت بهذا الحرف جاءت به لمعنى فهو لما جاءت به فإن المتكلم لا يجئ بالكلمة فيما يقوله النحوي زائدة إلا لقصد التوكيد فإذا زالت زال التوكيد فإذا ما هي زائدة فإن الكلام المؤكد ما استقل دونها وما يقوم مقامها فإذا أكد تعالى نفي المثل فما هي زائدة فجعل تأكيد نفي المثل في مقابلة من أثبت المثل فرضا ووجودا في زعمه والصحيح في هذه الكاف أنها كاف الصفة بقرائن الأحوال أي لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل فأحرى إن لا يماثل فهو أبلغ في نفي المماثلة في اللسان ثم نقول في قولنا بقرائن الأحوال لكون الحق ما وصف الإنسان الكامل إلا بما وصف به نفسه فنفى مماثلة الإنسان الكامل أن يماثله شئ من العالم ويعضد هذا قوله إنه خلق آدم على صورته فهذا خبر يقع به الأنس للنفس فما في العالم زائد لغير معنى لأنه ما فيه عبث ولا باطل بل كل ما فيه مقصود لمعنى فإن قلت فأين المماثلة في الفعل قلنا بيان هذا من وجهين الوجه الواحد أن يفعل بآلة ظاهرة فإذا قمت في توحيده في الأفعال جعلنا آلة له فيفعل بنا ما ينسب في الشاهد لنا فعله فنحن له كالقدوم للنجار والإبرة للخائط مثلا هذا إذا جعلناه مثلا لنا فإذا جعلنا أنفسنا مثلا له وهو الوجه الآخر من الوجهين في الجواب وهو الفعل بالإرادة والقصد وهي آلة باطنة فإنها نسبة فهو يفعل بالإرادة فإذا كان الإنسان صاحب همة نافذة فإنه يفعل بهمته كان مثلا له ولا يوجد ذلك في كل إنسان من هذا النوع فإنما نحن به وله فيفعلنا ويفعل بنا ويفعل فينا فلا يثبت التوحيد في الأعمال إلا أن نكون آلة لا بد من ذلك والله العالم والمعلم الذي اطلع من شاء على ما شاء من علمه وفي هذا المنزل من العلوم علم ما بقي من الزمان لقيام الساعة وفيه علم الفرق بين ما ينزل من العلم على قلوب العلماء من حضرة الربوبية وحضرة الرحمانية دون غيرهما من الحضرات الإلهية وفيه علم ما ينبغي أن يكون عليه صاحب هذا العلم من الصفة وهل يصح هذا العلم لمن لا يرفع به رأسا أم لا وفيه علم الأسرار التي لا تذاع وفيه علم الرد والقبول وفيه علم الفرق بين الرؤيا والمبشرات وأن الرؤيا أعم والمبشرات أخص فإن الإنسان قد يرى ما يحدث به نفسه وما يلعب به الشيطان أو يحزنه ولو لم يكن لذلك أثر
(٣١٢)