الله ذلك علامة لمن لا كشف له على إن للعالم بالله اتصالا معنويا من وجه وفصلا من وجه فهو من حقيقة ذاته وألوهته وفاعليته متصل منفصل من وجه واحد ذلك الوجه عينه لأنه لا يتكثر وإن كثرت أحكامه وأسماؤه ومعقولات أسمائه فاتصاله خلقه إيانا بيديه ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وانفصاله انفصال ألوهة من عبودة لا إله إلا هو العزيز بانفصاله الحكيم باتصاله ولكن لا يكون التكوين من العالم إلا باتصاله لا بانفصاله والعالم يكون ما كلفه الله به من العبادات ولهذا أضاف أعمالها إلى العبد وأمره أن يطلب الإعانة من الله في ذلك كما أنه آلة للحق في بعض الأفعال والآلات معينة للصانع فيما لا يصنع إلا بآلة والعالم منفصل عن الحق بحده وحقيقته فهو منفصل متصل من عين واحدة فإنه لا يتكثر في عينه وإن تكثرت أحكامه فإنها نسب وإضافات عدمية معلومة فخرج على صورة حق فما صدر عن الواحد إلا واحد وهو عين الممكن وما صدرت الكثرة أعني أحكامه إلا من الكثرة وهي الأحكام المنسوبة إلى الحق المعبر عنها بالأسماء والصفات فمن نظر العالم من حيث عينه قال بأحديته ومن نظره من حيث أحكامه ونسبه قال بالكثرة في عين واحدة وكذلك نظره في الحق فهو الواحد الكثير كما أنه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وأين التنزيه من التشبيه والآية واحدة وهي كلامه عن نفسه على جهة التعريف لنا بما هو عليه في ذاته ففصل بليس وأثبت بهو وأما نداؤه تعالى للعالم ونداء العالم إياه فمن حيث الانفصال فهو ينادي يا أيها الناس ونحن ننادي يا ربنا ففصل نفسه عنا كما فصلنا أيضا أنفسنا عنه فتميزنا وأين هذا المقام من مقام الاتصال إذا أحبنا وكان سمعنا وبصرنا وجميع قوانا وجعل ذلك حين أخبرنا اتصال محب بمحبوب فنسب الحب إليه ونحن المحبوبون ولا خفاء بالفرق بين أحكام المحب ومنزلته وبين أحكام المحبوب ومنزلته فارتفعنا به ونزل سبحانه بنا وذلك حتى لا يكون الوجود على السواء فإنه محال التسوية فيه فلا بد من نزول ورفعة فيه وما ثم إلا نحن وهو فإذا كان حكم واحد النزول كان حكم الآخر الرفعة والعلو وكل محب نازل وكل محبوب عال وما منا إلا محب ومحبوب فما منا إلا له مقام معلوم وما منا إلا نازل علي فهذه أحكام مختلفة في عين واحدة فيا أيها المؤمنون اتقوا * ويا ربنا ما الذي نتقي فنادى فناديت مستفهما * فلم أدر من راح أو من بقي وقسم حكمي على حكمه * فأما سعيد وإما شقي فيرضى ويغضب في حكمه * ويشقى ويسعد إذا نتقي فأين الأكاليل من رجله * وأين النعال من المفرق فيظهر في ذا وذا مثله * ليلقى العبيد الذي قد لقي إذا كان ما قلته كائنا * فقد علم العبد ما يتقى واعلم أيدك الله أن في هذا المنزل من العلوم علم الحجب المتصلة بالمحجوب فإن القرب المفرط حجاب مثل البعد المفرط وفيه علم مجالسة العبد ربه إذا ذكره وانقسام أهل الذكر فيه إلى من يعلم أنه جليس الحق في حين ذكره الحق وإلى من لا يعلم ذلك وسبب جهله بمجالسته ربه كونه لا يعلم ربه فلا يميزه أو كونه لا يعلم أن ربه ذكره لصمم قام به وغشاوة على بصره فإن الذاكر الصحيح يعلم متى يذكره ربه وإن لم يعلم شهودا مجالسة ربه وغيره يعلم ذلك ويشهد جليسه فكما هو الحق جليس من ذكره كذلك العبد جليس الحق إذا ذكره ربه ولا يجالسه إلا عبد في الحالتين ولو جالسه به فعبوديته لم تزل فإن عينه لم تزل لأن غاية القرب أن يكون الحق سمعه وبصره فقد أثبت عينه وليس عينه سوى عبودته وفيه علم ما الفرق بين مجالسة الحق تعالى في الخلوة والجلوة هل الصورة في ذلك واحدة أم تتنوع بتنوع المجالس وفيه علم ما يتحدث به جليس الحق مع الحق وفي أي صورة يكون ذلك فإن المشاهدة للبهت فهل كل مشاهدة للبهت أو لا يكون البهت إلا في بعض المشاهدات ولا بد من العلم بأن المتجلي هو الله تعالى وفيه علم كل من دعا الله كائنا من كان إنه لا يشقى ولا أحاشي أحدا وإن شقي الداعي لعارض فالمال إلى السعادة الأبدية وفيه علم من خاف غير الله بالله ما حكمه عند الله
(٣٢٥)