في نفسه من الاستعداد فتخيلوا فيما ليس ببرهان أنه برهان على ما طلبوه فما اتخذوه إلها إلا عن برهان في زعمهم وهو قوله ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به يعني في زعمه فدل على أنه من قام له برهان في نظره إنه غير مؤاخذ وإن أخطأ فما كان الخطاء له مقصودا وإنما كان قصده إصابة الحق على ما هو عليه الأمر وأصل هذا كله أن لا يعبد غيبا لأنه بالأصالة ما تعوده ولهذا جاء جبريل ع ليعلم النبي ص وأصحابه ما هو الأمر عليه في صورة أعرابي فقال النبي ص أتدرون من هذا أو قال ردوا على الرجل فالتمس فلم يجدوه فقال النبي ص لأصحابه لما أدبر هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم وكان فيما سأله إن قال له ما الإحسان فقال له النبي ص في الجواب أن تعبد الله كأنك تراه لما علم إن العبادة على الغيب تصعب على النفوس ثم تمم وقال فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي أحضر في نفسك أنه يراك وهو نوع آخر من الشهود من خلف حجاب تعلم أن معبودك يراك من حيث لا تراه ويسمعك فما أتانا الشرع في هذا كله إلا بما كان فيه لهؤلاء اغترار وإليه استناد ولذلك قال تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وقال يضل من يشاء ويهدي من يشاء وهو الذي يرزق الإصابة في النظر والذي يرزق الخطاء فخرج من مضمون هذا كله إن العبادة لا تتعلق من العابد إلا بمشهود أو كالمشهود لا سبيل إلى الغيب وهذا من رحمة الله الخفية وألطافه وما خرج عمن ذكرناه إلا المقلدة فبهم ألحق الشقاء فجعل لهم الحق في الشرع المنزل مستندا من رحمته فيهم يستندون إليه فيه فقال فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وأهل الذكر هم أهل القرآن فإن الله تعالى يقول إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن وهم أهل الاجتهاد ومنهم المصيب والمخطئ فإذا سأل المقلد من أخطأ من أهل الاجتهاد في نفس الأمر وعمل بما أفتاه فإنه مأجور لأنه مأمور بالسؤال فاستند مقلد والنظار الذين أخطئوا في نظرهم في الأصول مع توفية ما أداهم إليه استعدادهم فيما أفتوهم به من اتخاذهم الآلهة دون الله وإن لم ينظروا فإن الله ما كلف نفسا إلا وسعها وهو ما جعل فيها فعمت رحمته الأئمة والمأمومين فما في العالم إلا موحد أي مستند إلى واحد وقد علمت من هذا المساق ما الشرك وما صفة المشرك وقد أعذرهم الله من وجه فقال لهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا هذا إذا قصد العبد فعل الذنب معتقدا أنه ذنب فكيف حال من لم يتعمد إتيان الذنب واتخذ ذلك قربة لشبهة قامت له فهو أحق بالمغفرة وأما مؤاخذته أهل الشرك على القطع بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به فهو ظاهر لقرينة الحال وأما من طريق اللسان فهو الواقع فإن الله ما ستر الشرك على أهل الشرك بل ظهروا به فهو إخبار بما وقع في الوجود من ظهور الشرك وستر ما دون ذلك لمن يشاء أن يستر فإن ثم أمورا لم تظهر لعين ولا لعقل كما جاء في وصف الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولكن قرائن الأحوال تدل على القطع بمؤاخذة المشركين ثم لم يذكر سبحانه ما هو الأمر عليه فيهم بعد المؤاخذة التي هي إقامة الحد عليهم في الآخرة يوم الدين الذي هو الجزاء فيدخلون النار مع بعض آلهتهم ليتحققوا مشاهدة أن تلك الآلهة لا تغني عنهم من الله شيئا لكونهم اتخذوها عن نظرهم لا عن وضع إلهي فانظر يا ولي في عدل الله وفضله فله الحمد على كل حال وهذا حمد نبوي صحيح فإن الثناء على كل حال من مشرك وغير مشرك فإن المشرك كما قلنا ما جعل العظمة والكبرياء إلا لله وجعل الآلهة كالسدنة والحجاب فما عبدوهم إلا من أجله وإن أخطئوا فيهم فما أخطئوا إلا في الأحدية فهم أيضا من الحامدين لله إذ كانوا أهل ثناء على الله بتوحيد عظمته وإيثاره على هؤلاء الحجبة فاجعل بالك لرحمة الله السابغة الواسعة التي بسطها الله على خلقه ترشد للحق إن شاء الله وأما اختلاف العقائد في الله في أصحاب الشرائع الإلهية وغيرهم فإن العالم لو آخذهم الله تعالى بالخطأ لآخذ كل صاحب عقيدة فيه فإنه قد قيد ربه بعقله ونظره وحصره ولا ينبغي لله إلا الإطلاق فإن بيده ملكوت كل شئ فهو يقيد ولا يتقيد ولكن عفا الله عن الجميع فمن أراد إصابة الحق وإن يوفيه حقه وفقه لعلمه بسعته واتساعه وأنه عند اعتقاد كل معتقد مشهود لا يصح أن يكون مفقودا عند اعتقاد المعتقد فإنه ربط اعتقاده به وهو على كل شئ شهيد فصاحب هذا العلم يرى الحق دائما وفي كل صورة فلا ينكره إذا أنكره من قيده ومع هذا فالله قد عفا عمن قيده بتنزيه أو تشبيه من أئمة الدين ثم انظر في شهادة الله عز وجل عند نبيه ص في حق
(٣٠٩)