في نفس الأمر فإن لم يكن ذلك في نفس الأمر فلا يلقى إلى هذا المجتهد الذي ذكرناه إلا ما هو الحكم عليه في نفس الأمر حتى أنه لو كان الرسول ص حيا لحكم به مع أنه قرر حكم المجتهد وإن أخطأ فما أخطأ المجتهد إلا في الاستعداد كما ذكرناه فلو أصاب في الاستعداد ما أخطأ مجتهد أبدا بل لا يكون مجتهدا في الحكم وإنما هو ناقل ما قبله من الحق النازل عليه في تجليه وهذا عزيز في الأمة ما يوجد إلا في أفراد وعلامتهم أنهم ما يختلفون في الحكم أصلا لوحدانية الرسالة في هذا الزمان فإذا اختلفوا فما هم الذين ذكرناهم فيكون صاحب الحق إذا كانت الأحكام منحصرة القسمة واحدا منهم فإن بقي قسم لم يقع به حكم ربما كان الحق فيه ومع هذا تعبد كل واحد بما أعطاه دليله فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فوقع الاجتهاد في الاجتهاد وإذا تقرر أن التنزل الإلهي لم ينقطع وإنه على ضروب وكلها علم سواء كان تنزل حكم شرعي أو غير ذلك بحسب المواطن ألا ترى موطن الآخرة في الجنة التنزل فيه دائم ولكن ليس فيه حكم تحجير جملة واحدة بخلاف تنزله في الدنيا فهذا أعني بحكم المواطن والكل تعريف إلهي ولما كان في الإنسان الكامل المثل والضد والخلاف كما هو في الأسماء الإلهية المثل كالرحمن الرحيم والخلاف كالرحمن الصبور والضد كالضار النافع قال النبي ص يرفع هممنا إلى الرتب العالية لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لكن صاحبكم خليل الله والله يقول واتخذ الله إبراهيم خليلا وقال ص لربه أنت الصاحب في السفر فإذا علمت أن الله لا يستحيل عليه خلة عباده فاجهد أن تكون أنت ذلك الخليل بأن تنظر إلى ما يؤدي إلى تحصيل هذه الخلة الشريفة فإنك لا تجد لها سببا إلا الموافقة ولا علم لنا بموافقتنا الحق إلا موافقتنا شرعه فما حرم حرمناه وما أحل حللناه وما أباحه أبحناه وما كرهه كرهناه وما ندب إليه ندبنا إليه وما أوجبه أوجبناه فإذا عمك هذا في نفسك وكانت هذه صفتك وقمت فيها مقام حق صحت لك الخلة لا بل المحبة التي هي أعظم وأخص من الخلة لأن الخليل يصحبك لك والمحب يصحبك لنفسه فشتان ما بين الخلة والمحبة وقد دللتك على تحصيل هذين المقامين فالخليل يعتضد بخليله والحبيب يبطن في محبه فيقيه بنفسه فالحق مجن المحبوب والخليل مجن خليله ألا ترى إلى ما أجرى الله في نفوس العالم حيث يجعلون الخبز والملح سببا موجبا لأن يكون كل واحد من الشخصين اللذين بينهما الممالحة فداء لصاحبه يقيه من كل مكروه ويحفظ عليه حفظه على نفسه وكذلك هو الأمر عليه في عينه ولما شهدناه مع الحق مشاهدة عين ووقعت الممالحة ورأيت أثرها بحمد الله برهانا قاطعا قلت في ذلك لآكلن الخبز والملحا * حتى أرى البرهان والفتحا وأنظر الأمر الذي قد بدا * يثبت في اللوح فلا يمحي وأطلب الحرب من أجل العدا * لا أطلب السلم ولا الصلحا فلو أتاني الأمر من عنده * أمر يريني الكشف والشرحا ألزمت نفسي طلبا للعلى * أن تؤثر المعروف والنصحا وقلت للباني ألا فابن لي * من عمل الأرواح لي صرحا عسى أرى بلقيس إذ شمرت * عن ساقها إذ أبصرت صرحا تخيلت بأنه لجة * فأضربت عن عرشها صفحا ما عرفت إذ أبصرت نفسها * سترا ولا كشفا ولا لمحا فأعطاه الخبز والملح أن لا يتخذ عدوا لله محبوبا ولا محبا ولما علم الله ما هو عليه الإنسان في جبلته من حبه المحسن لإحسانه ومن استجلا به الود من أشكاله بالتودد إليهم علم أنه تعالى إذا قال لهم لا تتخذوا عدوي إنهم لما ذكرناه لا يقومون في هذا النهي في جانب الحق مقام ما يستحقه الحق فزاد في الخطاب فقال وعدوكم وذلك ليبغضهم إلينا لعلمه بأنا نحب أنفسنا ونؤثر أهواءنا عليه تعالى فليس في القرآن ذم في حقنا من الله أعظم من هذا فإنه لو علم منا إيثاره على أهوائنا لاكتفى بقوله عدوي ثم تمم على نسق واحد فقال يخرجون الرسول يعني من موطنه فإن مفارقة الأوطان من
(٢٧١)