يعلمهم بما هو الأفضل عنده من هذه الأعمال والأحب إليه ما تنازعوا ولو أنهم يكشفون ارتباط درجات الجنان بهذه الأعمال لحكموا بالفضيلة للأعلى منها وإنما الله سبحانه غيب عنهم ذلك فهم في هذه المسألة بمنزلة علماء البشر إذا قعدوا في مجلس مناظرة فيما بينهم في مسألة من الحيض الذي لا نصيب لهم فيه بخلاف المسائل التي لهم فيها نصيب وإنما قلنا ذلك لأن الكفارات إنما هي لإحباط ما خالف فيه المكلف ربه من أوامره ونواهيه والملائكة قد شهد الله لهم بالعصمة أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون به وما بلغنا إن عندهم نهي وإذا لم يعصوا وكانوا مطيعين فليس لهم في أعمال الكفارات قدم فهم يختصمون فيما لا قدم لهم فيه وكذلك ما بقي من الأعمال التي لا قدم لهم فيها فهم مطهرون فلا يتطهرون فلا يتصفون في طهارتهم بالإسباغ والإبلاغ في ذلك وغير الإسباغ وكذلك المشي إلى مساجد الجماعات لشهود الصلوات ليس لهم هذا العمل فإن قلت فإنهم يسعون إلى مجالس الذكر ويقول بعضهم لبعض هلموا إلى بغيتكم فاعلم إن الذكر ما هو عين الصلاة ونحن إنما نتكلم في عمل خاص في الجماعة ليس لهم فيه دخول مثل ما لبني آدم فإنهم ليسوا على صور بني آدم بالذات وإنما لهم التشكل فيهم وقد علم جبريل ع رسول الله ص الصلوات بالفعل وتلك من جبريل حكاية يحكيها للتعليم والتعريف بالأوقات وأما التعقيب أثر الصلوات فإنما ذلك للمصلين على هذه الهيئة المخصوصة التي ليست للملائكة فما اختصموا في أمر هو صفتهم فلهذا ضربنا مسألة الحيض مثلا وسبب ذلك أن الملائكة تدعو بني آدم في لماتها إلى العمل الصالح وترغبهم في الأفضل فلهذا اختصمت في الأفضل حتى تأمرهم به وبعد أن نبهناك على سبب الخصام فلنبين لك ما اختصموا فيه فاعلم إن الكفارات إنما شرعت لتكون حجبا بين العبد وبين ما عرض إليه نفسه من حلول البلايا بالمخالفات التي عملها مأمورا كان بذلك العمل أو منهيا عنه فإذا جاء المنتقم بالبلاء المنزل الذي تطلبه هذه المخالفة وجدت هذه الأعمال قد سترته في ظل جناحها واكتنفته وصارت عليه جنة ووقاية والاسم الغفار حاكم هذه الكفارات فلم يجد البلاء منفذا فلم ينفذ فيه الوعيد لغلبة سلطان هذا العمل المسمى كفارة والكفر الستر ومنه سمي الزراع كافرا لأنه يستر البذر في الأرض ويغطيه بالتراب وقد أشار إلى ذلك ص حيث قال في الزاني إن الايمان يخرج منه حتى يصير عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الايمان وذلك أن الزاني أو المخالف في حال الزنا يطلبه البلاء والعقوبة من الله إما في حال الزنا أو عقبه فإن كان في حال الزنا فله من البلاء على قدر ما مضى منه فإنه قد يطرأ عارض يمنعه من تمام الفعل وهو إنزال الماء أو خروج الذكر من الفرج فيجد الايمان على الزاني كالظلة وهو حجاب قوي فلا يستطيع النفوذ معه ولا الوصول إليه فإذا كان الزاني في حال الزنا محفوظا معصوما من البلاء لشرف الايمان في الدنيا فما ظنك به في الآخرة فإن صولته في الآخرة أتم من حكمه في الدنيا فالكفارات كلها جنن هذه مرتبتها لا تزيد عليها وما زاد على ذلك من درجة في الجنة أو منزلة فهو ما خرج في ذلك العمل من حد كونه كفارة والكفارة لا ترفع الدرجات وإنما هي عواصم من هذه القواصم وأما قوله كفارات جمع كفارة ببنية المبالغة أنباء بذلك على أنه لصورة العمل الواحد أنواع كثيرة من البلاء وذلك لأن العمل يتضمن حركات مختلفة ولكل حركة بلاء خاص من عند الله فيكون هذا العمل المكفر له في كل بلاء تطلبه المخالفة سترا يستره به من الوصول إليه والتأثير فيه فهو وإن كان مفردا للفظ فهو متكثر في المعنى وكذلك عمل الكفارة فهو واحد من حيث الاسم وهو كثير من حيث أجزاؤه فإن كان العمل لا يتجزأ كالتوبة التي هي مكفرة فالبلاء الخاص الذي تدفعه هذه التوبة هو بلاء واحد لا تعداد فيه ولا كثرة فإن الأمور الإلهية تجري على موازين إلهية قد وضعها الله في العالم ولا سيما في العقوبات فلا تطفيف فيها أصلا وإذا كان الشئ الواحد وإن لم يكن معصية كفارات مختلفة مثل الحاج يحلق رأسه لأذى يجده أو المتمتع أو المظاهر أو من حلف على يمين فرأى خيرا منها فإن مثل هذا له كفارات مختلفة أي عمل مكفر فعل سقط عنه الآخر فقام هذا العمل الواحد مقام ما بقي مما سقط عنه فإن كانت اليمين غموسا فإن الكفارة فيه ككفارة سائر الخطايا فيتصور خطاب الملائكة أي كفارات التخيير أولى بأن يفعل أو لماذا تكون كفارة وما عمل شيئا تجب أو تتوجه فيه العقوبة حتى تكون هذه الكفارة تدفعه فعن أي شئ تستره فالملأ الأعلى يختصمون في مثل هذا أيضا فالعالم صاحب
(٢٧)