المجموع وهو الأولى وقد وردت لفظة الإنسان على ما ذهبت إليه كل طائفة ثم اختلفنا في شرفه هل هو ذاتي له أو هو بمرتبة نالها بعد ظهوره في عينه وتسويته كاملا في إنسانية إما بالعلم وإما بالخلافة والإمامة فمن قال إنه شريف لذاته نظر إلى خلق الله إياه بيديه ولم يجمع ذلك لغيره من المخلوقين وقال إنه خلقه على صورته فهذا حجة من قال شرفه شرف ذاتي ومن خالف هذا القول قال لو أنه شريف لذاته لكنا إذا رأينا ذاته علمنا شرفه والأمر ليس كذلك ولم يكن يتميز الإنسان الكبير الشريف بما يكون عليه من العلم والخلق على غيره من الأناسي ويجمعهما الحد الذاتي فدل إن شرف الإنسان بأمر عارض يسمى المنزلة أو المرتبة فالمنزلة هي الشريفة والشخص الموصوف بها نال الشرف بحكم التبعية كمرتبة الرسالة والنبوة والخلافة والسلطنة والله يقول أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا وقال هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا أي قد أتى على الإنسان وقد قالت الملائكة فيه من حيث ذاته ما قالت وصدقت فما علم شرفه إلا بما أعطاه الله من العلم والخلافة فليس لمخلوق شرف من ذاته على غيره إلا بتشريف الله إياه وأرفع المنازل عند الله أن يحفظ الله على عبده مشاهدة عبوديته دائما سواء خلع عليه من الخلع الربانية شيئا أو لم يخلع فهذه أشرف منزلة تعطي لعبد وهو قوله تعالى واصطنعتك لنفسي وقوله سبحانه سبحان الذي أسرى بعبده فقرن معه تنزيهه قال بعض المحبين في هذا المقام لا تدعني إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي فليس لصنعة شرف أعلى من إضافتها إلى صانعها ولهذا لم يكن لمخلوق شرف إلا بالوجه الخاص الذي له من الحق لا من جهة سببه المخلوق مثله وفي هذا الشرف يستوي أول موجود وهو القلم أو العقل أو ما سميته وأدنى الموجودات مرتبة فإن النسبة واحدة في الإيجاد والحقيقة واحدة في الجميع من الإمكان فأخر صورة ظهر فيها الإنسان الصورة الآدمية وليس وراءها صورة أنزل منها وبها يكون في النار من شقي لأنها نشأة وتركيب تقبل الآلام والعلل وأما أهل السعادة فينشئون نشأة وتركيبا لا يقبل ألما ولا مرضا ولا خبثا ولهذا لا يهرم أهل الجنة ولا يتمخطون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يسقمون ولا يجوعون ولا يعطشون وأهل النار على النقيض منهم وهي نشأة الدنيا وتركيبها فهي أدنى صورة قبلها الإنسان وقد أتت عليه أزمنة ودهور قبل إن يظهر في هذه الصورة الآدمية وهو في الصورة التي له في كل مقام وحضرة من فلك وسماء وغير ذلك مما تمر عليه الأزمان والدهور ولم يكن قط في صورة من تلك الصور مذكورا بهذه الصورة الآدمية العنصرية ولهذا ما ابتلاه قط في صورة من صوره في جميع العالم إلا في هذه الصورة الآدمية ولا عصى الإنسان قط خالقه إلا فيها ولا ادعى رتبة خالقه إلا فيها ولا مات إلا فيها ولهذا يقبل الموت أهل الكبائر في النار ثم يخرجون فيغمسون في نهر الحياة فيتركبون تركيبا لا يقبل الألم ولا الأسقام فيدخلون بتلك الصورة الجنة واعلم أن الصراط الذي إذا سلكت عليه وثبت الله عليه أقدامك حتى أوصلك إلى الجنة هو صراط الهدى الذي أنشأته لنفسك في دار الدنيا من الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة فهو في هذه الدار بحكم المعنى لا يشاهد له صورة حسية فيمد لك يوم القيامة جسرا محسوسا على متن جهنم أوله في الموقف وآخره على باب الجنة تعرف عند ما تشاهده أنه صنعتك وبناؤك وتعلم أنه قد كان في الدنيا ممدودا جسرا على متن جهنم طبيعتك في طولك وعرضك وعمقك وثلاث شعب إذ كان جسمك ظل حقيقتك وهو ظل غير ظليل لا يغنيها من اللهب بل هو الذي يقودها إلى لهب الجهالة ويضرم فيها نارها فالإنسان الكامل يعجل بقيامته في الموطن الذي تنفعه قيامته فيه وتقبل فيه توبته وهو موطن الدنيا فإن قيامة الدار الأخرى لا ينفع فيها عمل لأنه لم يكلف فيها بعمل فإنه موطن جزاء لما سلف في الدار الدنيا وهو قوله تعالى ثم هدى أي بين ما يقتضيه المواطن ليكون الإنسان المخاطب في كل موطن بما قرن به من العمل بالذي يرضيه وهو ممزوج بما ينافيه مثل خلق الأجسام الطبيعية سواء فإن الحرارة تنافر البرودة وإن الرطوبة تنافر اليبوسة وأراد الحق أن يجمع الكل على ما هم عليه من التضاد في جسم واحد فضم الحرارة إلى اليبوسة فخلق منهما المرة الصفراء ثم زوج بين الحرارة والرطوبة فكان لهذا المزاج الدم وجعله مجاورا لهما جعل الرطوبة التي في الدم مما يلي اليبوسة التي في الصفراء بحكم المجاورة حتى تقاومها في الفعل فلا تترك
(٣٢)