وهما الشفاعة والتجلي في الصور على طريق التحول فإذا تمكنت هذه الحالة في قلب الرجل وعرف من العلم الإلهي ما الذي دعا هؤلاء الذين صفتهم هذا وأنهم تحت قهر ما إليه يؤولون تضرعوا إلى الله في الدياجي وتملقوا له في حقهم وسألوه أن يدخلهم في رحمته إذا أخذت منهم النقمة حدها وإن كانوا عمار تلك الدار فليجعل لهم فيها نعيما به إذ كانوا من جملة الأشياء التي وسعتهم الرحمة العامة وحاشا الجناب الإلهي من التقييد وهو القائل بأن رحمته سبقت غضبه فلحق الغضب بالعدم وإن كان شيئا فهو تحت إحاطة الرحمة الإلهية الواسعة وقد قال ص إن الأنبياء ص تقول يوم القيامة إذا سألوا في الشفاعة إن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وهذا من أرجى حديث يعتمد عليه في هذا الباب أيضا فإن اليوم الذي أشار إليه الأنبياء هو يوم القيامة ويوم القيامة هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين قال تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين وفي ذلك اليوم يكون الغضب من الله على أهل الغضب وأعطى حكم ذلك الغضب الأمر بدخول النار وحلول العذاب والانتقام من المشركين وغيرهم من القوم الذين يخرجون بالشفاعة والذين يخرجهم الرحمن كما ورد في الصحيح ويدخلهم الجنة إذ لم يكونوا من أهل النار الذين هم أهلها ولم يبق في النار إلا أهلها الذين هم أهلها فعم الأمر بدخول النار كل من دخلها من أهلها ومن غير أهلها لذلك الغضب الإلهي الذي لن يغضب بعده مثله فلو سرمد عليهم العذاب لكان ذلك عن غضب أعظم من غضب الأمر بدخولها وقد قالت الأنبياء إن الله لا يغضب بعد ذلك مثل ذلك الغضب ولم يكن حكمه مع عظم ذلك الغضب إلا الأمر بدخول النار فلا بد من حكم الرحمة على الجميع ويكفي من الشارع التعريف بقوله وأما أهل النار الذين هم أهلها ولم يقل أهل العذاب ولا يلزم من كان من أهل النار الذين يعمرونها أن يكونوا معذبين بها فإن أهلها وعمارها مالك وخزنتها وهم ملائكة وما فيها من الحشرات والحيات وغير ذلك من الحيوانات التي تبعث يوم القيامة ولا واحد منهم تكون النار عليه عذابا كذلك من يبقى فيها لا يموتون فيها ولا يحيون وكل من ألف موطنه كان به مسرورا وأشد العذاب مفارقة الوطن فلو فارق النار أهلها لتعذبوا باغترابهم عما أهلوا له وإن الله قد خلقهم على نشأة تألف ذلك الموطن فعمرت الداران وسبقت الرحمة الغضب ووسعت كل شئ جهنم ومن فيها والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه وقد وجدنا في نفوسنا ممن جبلهم الله على الرحمة أنهم يرحمون جميع عباد الله حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي ونحن مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين فلا نشك أنه أرحم منا بخلقه ونحن قد عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة فكيف يتسر مد عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة إن الله أكرم من ذلك ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على إن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات وأن كل شئ جار بقضائه وقدره وحكمه وأن الخلق مجبورون في اختيارهم وقد قام الدليل السمعي إن الله يقول في الصحيح يا عبادي فأضافهم إلى نفسه وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة أن لا يؤيد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار فقال يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا فقد أخبر بما دل عليه العقل أن الطاعات والمعاصي ملكه وأنه على ما هو عليه لا يتغير ولا يزيد ولا ينقص ملكه مما طرأ عليه وفيه فإن الكل ملكه وملكه ثم قال من تمام هذا الخبر الصحيح يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد وسألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا الحديث ولا شك أنه ما من أحد إلا وهو يكره ما يؤلمه طبعا فما من أحد إلا وقد سأله أن لا يؤلمه وأن يعطيه اللذة في الأشياء ولا يقدح ما أومأنا إليه فيه قوله في الحديث إذا تعلق به المنازع في هذه المسألة إدخال لو في ذلك فإن السؤال من العالم في ذلك قد علم وقوعه بالضرورة من كل مخلوق فإن الطبع يقتضيه والسؤال قد يكون قولا وحالا كبكاء الصغير الرضيع وإن لم يعقل عند وجود الألم الحسي بالوجع أو الألم النفسي بمخالفة الغرض إذا منع من الثدي وقد أخذت المسألة حقها والأحوال التي ترد على قلوب الرجال لا تحصى كثرة وقد
(٢٥)