ليصبر عليها وابتلته معرفته في تلك المصيبة بثلاث مصائب كلفه الله الشكر عليها حيث أعلمه بتلك النعم في تلك المصيبة الواحدة فانظر إلى معرفة عمر رضي الله عنه كيف أوجب على نفسه مثل هذا وانظر إلى ما فيها من الأدب حيث عدل عن النظر فيها من كونها مصيبة إلى رؤية النعم فتلقاها بالقبول لأن النعمة محبوبة لذاتها فرضي فكان له مقام الرضاء والاستسلام والتفويض والصبر والاعتماد على الله وأين الناس من هذا الذوق الشريف ولم يحكم أحد من الأولياء ولا قام فيه مثل هذا المقام مثل أبي بكر الصديق إلا من لا أعرفه فإنه رضي الله عنه ما ظهر قط عليه مما كان عليه في باطنه من المعرفة شئ لقوته إلا يوم مات رسول الله ص وذهلت الجماعة وقالوا ما حكى عنهم إلا الصديق فإن الله تعالى وفقه لإظهار القوة التي أعطاه لكون الله أهله دون الجماعة للإمامة والتقدم والإمام لا بد أن يكون صاحيا لا يكون سكران فقامت له تلك القوة في الدلالة على إن الله قد جعله مقدم الجماعة في الخلافة عن رسول الله ص في أمته كالمعجزة للنبي ص في الدلالة على نبوته فلم يتقدم ولا حصل الأمر الإله عن طوع من جماعة وكره من آخرين وذلك ليس نقصا في إمامته كراهة من كره فإن ذلك هو المقام الإلهي والله يقول ولله يسجد من في السماوات ومن في الأرض طوعا وكرها فإذا كان الخالق الذي بيده ملكوت كل شئ يسجد له كرها فكيف حال خليفته ونائبه في خلقه وهم الرسل فكيف حال أبي بكر وغيره فلا بد من طائع وكاره يدخل في الأمر على كره لشبهة تقوم عنده إذا كان ذا دين أو هوى نفس إذا لم يكن له دين فأما من كره إمامته من الصحابة رضي الله عنهم فما كان عن هوى نفس نحاشيهم من ذلك على طريق حسن الظن بالجماعة ولكن كان لشبهة قامت عندهم رأى من رأى ذلك أنه أحق بها منه في رأيه وما أعطته شبهته لا في علم الله فإن الله قد سبق علمه بأن يجعله خليفة في الأرض وكذلك عمر وعثمان وعلي والحسن ولو تقدم غير أبي بكر لمات أبو بكر في خلافة من تقدمه ولا بد في علم الله أن يكون خليفة فتقدمهم بالزمان بأنه أولهم لحوقا بالآخرة فكان سبب هذا الترتيب في الخلافة ترتيب أعمارهم فلا بد أن يتأخر عنها من يتأخر مفارقته للدنيا ليلي الجميع ذلك المنصب وفضل بعضهم على بعض مصروف إلى الله هو العالم بمنازلهم عنده فإن المخلوق ما يعلم ما في نفس الخالق إلا ما يعلمه به الخالق سبحانه وما أعلم بشئ من ذلك فلا يعلم ما في نفسه إلا إذا أوجد أمرا علمنا أنه لولا ما سبق في علم الله كونه ما كان فالله يعصمنا من الفضول إنه ذو الفضل العظيم فهذا قد أبنت لك منزلة العارف من هذا المنزل على غاية الاختصار بطريق التنبيه والإيماء فإن المقام عظيم فيه تفاصيل عجيبة فلنذكر فهرست ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم فمن ذلك علم ذهاب النور الأعظم وبقاء حكمه وهو من أعجب الأشياء وجود الحكم مع عدم عين الحاكم ويتعلق بهذه المسألة فقد النبي ص وبقاء شريعته في المكلفين إلا في مذهب من يقول إن الشارع هو الله وهو موجود وفيه علم طموس العلوم وما سببها ومنها سبب عزل أهل المراتب من مراتبهم مع وجود الأهلية منهم ولما ذا عزلوا وهم يستحقونها وهل يصح هذا العزل أم لا مع وجود الأهلية وهل للسلطان عزل القاضي العادل إذا ولاة أو لا ينعزل في نفس الأمر إذا جار عليه السلطان وأخره عن الحكم فإن حكم وهو بهذه المثابة هل ينفذ حكمه شرعا أو لا ينفذ وبعد أن يحكم وهو بهذه المثابة لشخص بأمر ما فيأبى السلطان إمضائه ويطلب الخصم المحكوم عليه الرجوع إلى القاضي الذي ولاة السلطان فيظهر عند القاضي الثاني أن الحكم للذي كان الحكم عليه عند الأول هل لهذا المحكوم له عند القاضي الثاني أن يأخذ ما حكم له به مما كان قد انتزعه منه خصمه بالحاكم الأول أم لا وهل يصح قضاء هذا الثاني أم لا وإن صح فهل هو مستقل فيه كالأول أو هو كالنائب عن الأول إلا أنه بأمر سلطاني أو ينعزل الحاكم الأول إذا عزله السلطان من هذا المنزل يعرف ذلك ومن أراد تحقيق هذه المسألة ودليلها فلينظر في النسخ الوارد في الشريعة الواحدة فيصح العزل ومن نظر في حكم المشرعين وأن الله ما عزل نبيا رسولا عن رسالته بغيره في تلك الأمة التي له إلا بعد موته قال لا ينعزل فهو على حسب ما يكشف له فافهم ومن علوم هذا المنزل علم الجور في العالم من أي حضرة صدر وما ثم إلا العدل المحض فمن أين هذا الجور وأي حقيقة ترتبط به وأي اسم يدل عليه وذهاب الرجال الذين يحفظ الله بهم العالم وعلم نزول الكلم
(١٦)