فيلحق ذلك في هذا الموضع من هذا الكتاب فإن بعد عن فهمك ما ذكرناه من تعداد الصور فقد ورد في الخبر المشهور الحسن الغريب أن الله تجلى لآدم ع ويداه مقبوضتان فقال له يا آدم اختر أيتهما شئت فقال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة قال فبسطها فإذا آدم وذريته فنظر إلى شخص من أضوئهم أو أضوئهم فقال من هذا يا رب فقال الله له هذا ابنك داود فقال يا رب كم كتبت له فقال أربعين سنة فقال يا رب وكم كتبت لي فقال الله ألف سنة فقال يا رب فقد أعطيته من عمري ستين سنة قال الله له أنت وذاك فما زال يعد لنفسه حتى بلغ تسعمائة وأربعين سنة فجاءه ملك الموت ليقبض روحه فقال له آدم إنه بقي لي ستون سنة فأوحى الله إلى آدم أي يا آدم إنك وهبتها لابنك داود فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته قال رسول الله ص فمن ذلك اليوم أمر بالكتاب والشهود فهذا آدم وذريته صور قائمة في يمين الحق وهذا آدم خارج عن تلك اليد وهو يبصر صورته وصور ذريته في يد الحق فما لك تقربه في هذا الموضع وتنكره علينا فلو كان هذا محالا لنفسه لم يكن واقعا ولا جائزا بالنسبة إذ الحقائق لا تتبدل فاعلم ذلك وأكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال الله فيهم صم بكم عمي فهم لا يرجعون صم بكم عمي فهم لا يعقلون وأخذ الله الصور من ظهر آدم وآدم فيهم وأشهدهم على أنفسهم بمحضر من الملأ الأعلى والصور التي لهم في كل مجلي ألست بربكم قالوا بلي فشهد على نطقهم من حضر ممن ذكرنا بالإقرار بربوبيته عليهم وعبوديتهم له فلو كان له شريك فيهم لما أقروا بالملك له مطلقا فإن ذلك موضع حق من أجل الشهادة فنفس إطلاقهم بالملك له بأنه ربهم هو عين نفي الشريك وإنما قلنا ذلك لأنه لم يجر للتوحيد هنا لفظ أصلا ولكن المعنى يعطيه ولما كان الموت سببا لتفريق المجموع وفصل الاتصالات وشتات الشمل سمي التفريق الذي هو بهذه المثابة موتا فقال تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم أي كنتم متفرقين في كل جزء من عالم الطبيعة فجمعكم وأحياكم ثم يميتكم أي يردكم متفرقين أرواحكم مفارقة لصور أجسامكم ثم يحييكم الحياة الدنيا ثم إليه ترجعون بعد مفارقة الدنيا وإن الله سيذكر عباده يوم القيامة بما شهدوا به على أنفسهم في أخذ الميثاق فيقولون ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل أي كما قبلنا حياة بعد موت وموتا بعد حياة مرتين فليس بمحال أن نقبل ذلك مرارا فطلبوا من الله أن يمن عليهم بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا ما يورثهم دار النعيم وحين قالوا هذا لم يكن الأمد المقدر لعذابهم قد انقضى ولما قدر الله أن يكونوا أهلا للنار وأنه ليس لهم في علم الله دار يعمرونها سوى النار قال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه حتى يدخلوا النار باستحقاق المخالفة إلى أن يظهر سبق الرحمة الغضب فيمكثون في النار مخلدين لا يخرجون منها أبدا على الحالة التي قد شاءها الله أن يقيمهم عليها وفيها يرد الله الذرية إلى أصلاب الآباء إلى أن يخرجهم الله إلى الحياة الدنيا على تلك الفطرة فكانت الأصلاب قبورهم إلى يوم يبعثون من بطون أمهاتهم ومن ضلع آبائهم في الحياة الدنيا ثم يموت منهم من شاء الله أن يموت ثم يبعث يوم القيامة كما وعد واختلف أصحابنا في الإعادة هل تكون على صورة ما أوجدنا في الدنيا من التناسل شخصا عن شخص كما قال كما بدأكم تعودون بجماع وحمل وولادة في آن واحد للجميع وهو مذهب أبي القاسم بن قسي أو يعودون روحا إلى جسم وهو مذهب الجماعة والله أعلم واعلم أن من الأحوال التي هي أمهات في هذا الباب فإن تفاصيل الأحوال لا تحصى كثرة ولكن نذكر منها الأحوال التي تجري مجرى الأمهات فمنها أحوال الفطرة التي فطر الله الخلق عليها وهو أن لا يعبدوا إلا الله فبقوا على تلك الفطرة في توحيد الله فما جعلوا مع الله مسمى آخر هو الله بل جعلوا آلهة على طريق القربة إلى الله ولهذا قال قل سموهم فإنهم إذا سموهم بان أنهم ما عبدوا إلا الله فما عبد كل عابد إلا الله في المحل الذي نسب الألوهية له فصح بقاء التوحيد لله الذي أقروا به في الميثاق وأن الفطرة مستصحبة والسبب في نسبة الألوهية لهذه الصور المعبودة هو أن الحق لما تجلى لهم في أخذ الميثاق تجلى لهم في مظهر من المظاهر الإلهية فذلك الذي أجرأهم على أن يعبدوه في الصور ومن قوة بقائهم على الفطرة إنهم ما عبدوه على الحقيقة في الصور وإنما عبدوا الصور لما تخيلوا فيها من رتبة التقريب كالشفعاء وهاتان الحقيقتان إليهما مال الخلق في الدار الآخرة
(٢٤)