أخذ الله بأبصار الملائكة عن شهودها مكتنفة عند الله في غيبة معينة له سبحانه لا تعلم السماوات بها مع كونها فيها وقد جعل الله وجود عينها في عالم الدنيا في حركات تلك الأفلاك فمن الناس من أعطى في ذلك الموطن شهود نفسه ومرتبته إما على غاياتها بكمالها وإما يشهد صورة ما من صورة وهو عين تلك المرتبة له في الحياة الدنيا فيعلمها فيحكم على نفسه بها وهنا شاهد رسول الله ص نبوته ولا ندري هل شهد صورة جميع أحواله أم لا فالله أعلم قال تعالى وأوحى في كل سماء أمرها وهذا من أمرها وشأنها حفظ هذه الصورة إلى وصول وقتها فتعطيها مراتبها في الحياة الدنيا تلك الصورة الفلكية من غير أن تفقد منها ذلك تقدير العزيز العليم وهذه الصور كلها موجودة في الأفلاك التسعة وجود الصورة الواحدة في المرايا الكثيرة المختلفة الأشكال من طول وعرض واستقامة وتعويج واستدارة وتربيع وتثليث وصغر وكبر فتختلف صور الأشكال باختلاف المجلى والعين واحدة فتلك صور المراتب حكمت على تلك العين كما حكمت أشكال المرايا على الصورة فالعارف من عرف ذاته لذاته من غير مجلي وإن كان بهذه المثابة لم تؤثر فيه المراتب إذا نالها كما قال ص وهو في المرتبة العلياء أنا سيد ولد آدم ولا فخر فلم تحكم فيه المرتبة وقال في كل وقت وهو في مرتبة الرسالة والخلافة إنما أنا بشر مثلكم فلم تحجبه المرتبة عن معرفة نشأته وسبب ذلك أنه رأى لطيفته ناظرة إلى مركبها العنصري وهو متبدد فيها فشاهد ذاته العنصرية فعلم أنها تحت قوة الأفلاك العلوية ورأى المشاركة بينها وبين سائر الخلق الإنساني والحيوان والنبات والمعادن فلم ير لنفسه من حيث نشأته العنصرية فضلا على كل من تولد منها وأنه مثل لهم وهم أمثال له فقال إنما أنا بشر مثلكم ثم رأى افتقاره إلى ما تقوم به نشأته من الغذاء الطبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية فعرف نفسه فقال يا أبا بكر ما أخرجك قال الجوع قال وأنا أخرجني الجوع فكشف عن حجرين قد وضعهما على بطنه يشد بهما أمعاءه وكان يتعوذ من الجوع ويقول إنه بئس الضجيع ص فقد عرفت أن قوله ص كنت نبيا وآدم بين الماء والطين إنما كان هذا القول بلسان تلك الصورة التي فيها من جملة صور المراتب فترجم لنا في هذه الدار عن تلك الصورة فهذا من أحوال الخلق ولنا صور أيضا فوق هذا لم نذكرها لأنه ليس لنا استرواح من قول شارع ولا من دليل عقلي نركن إليه في تعريفنا إياك بها فسكتنا عنها وإلا فلنا صورة في الكرسي وصورة في العرش وصورة في الهيولى وصورة في الطبيعة وصورة في النفس وصورة في العقل وهو المعبر عنهما باللوح والقلم وصورة في العماء وصورة في العدم وكل ذلك معلوم مرئي مبصر لله تعالى وهو الذي يتوجه عليه خطاب الله إذا أراد إيجاد مجموعنا في الدنيا بكن فنبادر ونجيب إلى الخروج من حضرة العدم إلى حضرة الوجود فينصبغ بالوجود وهو قوله تعالى صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون أي أذلاء خاضعون ونحن في كل ما ذكرنا لنا حال نتميز به في ذلك المقام وحالنا هو عين صورتنا فيه فما أوسع ملك الله وما أعظمه وكل ما ذكرناه في جنب الله كلا شئ ومن الأحوال أيضا التي ترد على قلوبنا حال كوننا في الميثاق الذي أخذه ربنا علينا قال تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي أنت ربنا فلولاك ما كان لنا وجود في صورة آدم العنصرية معينين مرئيين متميزين عند الله في علمه ورؤيته وعندنا ما قلنا بلي أنت ربنا فأخلصنا له التوجه وكيف لا نخلص ونحن في قبضته مشاهدة عين محصورين والله بكل شئ محيط فاعلم إن آدم ع لما أوجده الله وسواه كما سوى الأفلاك وجميع الحضرات التي ذكرنا جعل لنا في صورته صورا مثل ما فعل فيما تقدم من المخلوقات ثم قبض على تلك الصور المعينة في ظهر آدم وآدم لا يعرف ما يحوي عليه كما أنه كل صورة لنا في كل فلك ومقام لا يعرف بها ذلك الفلك ولا ذلك المقام وإنه للحق في كل صورة لنا وجه خاص إليه من ذلك الوجه يخاطبنا ومن ذلك الوجه نرد عليه ومن ذلك الوجه نقر بربوبيته فلو أخذنا من بين يدي آدم لعلمنا فكان الأخذ من ظهره إذ كان ظهره غيبا له وأخذه أيضا معنا في هذا الميثاق من ظهره فإن له معنا صورة في صورته فشهد كما شهدنا ولا يعلم أنه أخذ منه أو ربما علم فإنه ما نحن على يقين من أنه لم يعلم بأنه أخذ منه ولا بأنا أخذنا منه ولكن لما رأينا أن الحضرات التي تقدمته لا تعلم بصورنا فيها قلنا ربما يكون الأمر هنا كذلك فرحم الله عبدا وقف على علم ذلك أنه علم آدم أو لم يعلم
(٢٣)