أنت الإله الذي لا شئ يشبهه * إلا الذي جاء في التنزيل والكتب اعلم أن الله خلق الأرواح على ثلاث مراتب لا رابع لها أرواح ليس لهم شغل إلا تعظيم جناب الحق ليس لهم وجه مصروف إلى العالم ولا إلى نفوسهم قد هيمهم جلال الله واختطفهم عنهم فهم فيه حيارى سكارى وأرواح مدبرة أجساما طبيعية أرضية وهي أرواح الأناسي وأرواح الحيوانات عند أهل الكشف من كل جسم طبيعي عنصري فإن الله عز وجل يقول وإن من شئ إلا يسبح بحمده وقال رسول الله ص يشهد للمؤذن مدي صوته من رطب ويابس وسبح الحصاء في كفه ص وفي كف من شاء الله من أصحابه وقال في أحد هذا جبل يحبنا ونحبه فهذه الأخبار كلها تدل على حياة كل شئ ومعرفته بربه فإن السماء والأرض قالتا أتينا طائعين ونحن نعرف ذلك من طريق الكشف ولو لم يأت في ذلك خبر وهذه الأرواح المدبرة لهذه الأجسام مقصورة عليها مسخرة بعضها لبعض بما فضل الله بعضهم على بعض كما قال عز وجل ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وأرواح أخر مسخرات لنا وهم على طبقات كثيرة فمنهم الموكل بالوحي والإلقاء ومنهم الموكل بالأرزاق ومنهم الموكل بقبض الأرواح ومنهم الموكل بإحياء الموتى ومنهم الموكل بالاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم ومنهم الموكلون بالغراسات في الجنة جزاء لأعمال العباد فاعلم إن أرواح الأناسي جعل الله لها آلات طبيعية كالعين والأذن والأنف والحنك وجعل فيها قوى سماها سمعا وبصرا وغير ذلك وخلق لهذه القوي وجهين وجه إلى المحسوسات عالم الشهادة ووجه إلى حضرة الخيال وجعل حضرة الخيال محلا واسعا أوسع من عالم الشهادة وجعل فيها قوة تسمى الخيال إلى قوى كثيرة مثل المصورة والفكر والحفظ والوهم والعقل وغير ذلك وبهذه القوي تدرك النفس الإنسانية جميع ما يعطيها حقائق هذه القوي من المعلومات فبالوجه الذي للبصر إلى عالم الشهادة تدرك جميع المحسوسات وترفعها إلى الخيال فتحفظها في الخيال بالقوة الحافظة بعد ما تصورها القوة المصورة وقد تأخذ القوة المصورة أمورا من موجودات مختلفة كلها محسوسة وتركب منها شكلا غريبا ما أبصرته قط حسا بمجموعه لكن ما فيه جزء إلا وقد أبصرته فإذا نام الإنسان نظر البصر بالوجه الذي له إلى عالم الخيال فيرى ما فيه مما نقله الحس مجموعا أو مما صورته القوة المصورة مما لم يقع الحس على مجموعه قط لا على أجزائه التي تألفت منها هذه الصورة فتراه نائما إلى جانبك وهو يبصر نفسه معذبا أو منعما أو تاجرا أو ملكا أو مسافرا ويطرأ عليه خوف في منامه في خياله فيصيح ويزعق والذي إلى جانبه لا علم له بذلك ولا بما هو فيه وربما إذا اشتد الأمر تغير له المزاج فأثر في الصورة الظاهرة النائمة حركة أو زعاقا أو كلاما أو احتلاما كل ذلك من غلبة تلك القوة على الروح الحيواني فيتغير البدن في صورته فإذا تنزلت الأملاك المسخرة بالوحي على الأنبياء ع أو تنزل رقائق منها على قلوب الأولياء لأن الملك لا ينزل بوحي على قلب غير نبي أصلا ولا بأمر إلهي جملة واحدة فإن الشريعة قد استقرت وتبين الفرض والواجب والمندوب والمباح والمكروه فانقطع الأمر الإلهي بانقطاع النبوة والرسالة ولهذا لم يكتف رسول الله ص بانقطاع الرسالة فقط لئلا يتوهم أن النبوة باقية في الأمة فقال ع إن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبي بعدي ولا رسول فما بقي أحد من خلق الله يأمره الله بأمر يكون شرعا يتعبده به فإنه إن أمره بفرض كان الشارع قد أمره به فالأمر للشارع وذلك وهم منه وادعاء نبوة قد انقطعت فإن قال إنما يأمره بالمباح قلنا لا يخلو إما أن يرجع ذلك المباح واجبا في حقه فهذا هو عين نسخ الشرع الذي هو عليه حيث صير بهذا الوحي المباح الذي قرره الرسول مباحا واجبا يعصي بتركه وإن أبقاه مباحا كما كان فكذلك كان فآية فائدة في الأمر الذي به جاء هذا الملك لهذا المدعي صاحب هذا المقام فإن قال ما جاء به ملك لكن الله أمرني به من غير واسطة قلنا هذا أعظم من ذلك فإنك ادعيت أن الله يكلمك كما كلم موسى ع ولا قائل به لا من علماء الرسوم ولا من علماء أهل الذوق ثم إنه لو كلمك أو لو قال لك فما كان يلقي إليك في كلامه إلا علوما وأخبارا لا أحكاما ولا شرعا ولا يأمرك أصلا فإنه إن أمرك كان الحكم مثل ما قلنا في وحي الملك فإن كان ذلك الذي دندنت عليه عبارة عن إن الله خلق في قلبك علما بأمر ما فما ثم في كل نفس إلا خلق العلم في كل إنسان ما يختص به ولي من غيره وقد بينا في هذا الكتاب وغيره ما هو الأمر عليه ومنعنا
(٣٨)