من العباد هو الذي ينزل كل شئ منزلته ولا يتعدى به مرتبته ويعطي كل ذي حق حقه لا يحكم في شئ بغرضه ولا بهواه لا تؤثر فيه الأعراض الطارئة فينظر الحكيم إلى هذه الدار التي قد أسكنه الله فيها إلى أجل وينظر إلى ما شرع الله له من التصرف فيها من غير زيادة ولا نقصان فيجري على الأسلوب الذي قد أبين له ولا يضع من يده الميزان الذي قد وضع له في هذا الموطن فإنه إن وضعه جهل المقادير فأما يخسر في وزنه أو يطفف وقد ذم الله الحالتين وجعل تعالى للتطفيف حالة تخصه يحمد فيها التطفيف فيطفف هناك على علم فإنه رجحان الميزان ويكون مشكورا عند الله في تطفيفه فإذا علم هذا ولم يبرح الميزان من يديه لم يخط شيئا من حكمة الله في خلقه ويكون بذلك إمام وقته فأول ما يزن به الأحوال في هذا الموطن فإن اقتضى وزنه للحال إظهار الحق لعباده وتعريف الخلق به عرفهم وذلك في الموطن الذي لا يؤدي ذكره إلى أذى الله ورسوله فإن الله قد وصف نفسه بأنه يؤذي فقال إن الذين يؤذون الله وهذا الذي اقتضى له اسم الصبور والاسم الحليم وقال رسول الله ص ليس شخص أصبر على أذى من الله وقد كذب وشتم أخبر الله بذلك في الصحيح من الخبر عن رسول الله ص عن ربه فقال كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك وهذا القول إنما تكلم به الاسم اللطيف ولهذا أكسبه هذا اللطف في العتب في دار الدنيا ووقع به التعريف ليرجع المكذب عن تكذيبه والشاتم عن شتمه فإنه موطن الرجوع والقبول منه والآخرة وإن كانت موطن الرجوع ولكن ليست موطن قبول فمن الميزان أن لا يعرض الحكيم بذكر الله ولا بذكر رسوله ولا أحد ممن له قدر في الدين عند الله في الأماكن التي يعرفها هذا الحكيم إذا ذكر الله فيها أو رسوله أو أحدا ممن اعتنى الله به كالصحابة عند الشيعة فإن ذلك داع إلى ثلب المذكور وشتمه وإدخال الأذى في حقه ففي مثل هذا الموطن لا يذكره ألا تراه ص قد نهانا أن نسافر بالقرآن الذي هو المصحف إلى أرض العدو فإنه يؤدي ذلك إلى التعرض لإهانته وعدم حرمته مما يطرأ عليه ممن لا يؤمن به فإنه عدو له وهذا مقام الملامي لا غيره فالشريعة كلها هي أحوال الملامية سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن خلق رسول الله ص فقالت رضي الله عنها كان خلقه القرآن ثم تلت قوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم فالأصل الإلهي الذي استندت إليه هذه الطائفة هو ما ذكرناه من أن الحق سبحانه يجب لجلاله من التعظيم والكبرياء ما تستحقه الألوهة ومع هذا فانظر موطن الدنيا ما اقتضاه في حق الحق من دعوى العبيد فيها الربوبية ومنازعة الحق في كبريائه وعظمته فقال فرعون أنا ربكم الأعلى وتكبر وتجبر وسبب ذلك أن الموطن اقتضى أن ينحجب الخلق عن الله إذ لو أشهدهم نفسه في الدنيا لبطل حكم القضاء والقدر الذي هو علم الله في خلقه بما يكون عنهم وفيهم فكان حجابه رحمة بهم وإبقاء عليهم فإن تجليه سبحانه يعطي بذاته القهر فلا يتمكن معه دعوى فلما كانت الألوهية تجري بحكم المواطن كان هذا الأصل الإلهي مشهود الملامية إذ كانوا حكماء علماء فقالوا نحن فروع هذا الأصل إذ كان لكل ما يكون في العالم أصل إلهي ولكن ما كل أصل إلهي يكون في حق العبد إذا اتصف به محمودا فإن الكبرياء أصل إلهي بلا شك ولكن إن اتصف به العبد وصير نفسه فرعا لهذا الأصل واستعمله باطنا فإنه مذموم بكل وجه بلا خلاف ولكن إن استعمله ظاهرا في موضع خاص قد عين له وأبيح له فيه استعماله صورة ظاهرة لا روح لها منه كان محمودا لنفس الصورة ولهذا رأت الطائفة أن خرق العوائد واجب سترها على الأولياء كما أن إظهارها واجب على الأنبياء لكونهم مشرعين لهم التحكم في النفوس والأموال والأهل فلا بد من دليل يدل على إن التحكم في ذلك لرب المال والنفس والأهل فإن الرسول من الجنس فلا يسلم له دعواه ما ليس له بأصل إلا بدليل قاطع وبرهان والذي ليس له التشريع ولا التحكم في العالم بوضع الأحكام فلأي شئ يظهر خرق العوائد حين مكنه الله من ذلك ليجعلها دلالة له على قربه عنده لا لتعرف الناس ذلك منه فمتى أظهرها في العموم فلرعونة قامت به غلبت عليه نفسه فيها فهي إلى المكر والاستدراج أقرب منها إلى الكرامة فالملامية أصحاب العلم الصحيح في ذلك فهم الطبقة العلياء وسادات الطريقة المثلى والمكانة الزلفى في العدوة الدنيا والعدوة القصوى ولهم اليد البيضاء في علم المواطن وأهلها وما تستحق أن تعامل به ولهم علم الموازين وأداء الحقوق وكان سلمان الفارسي من أجلهم قدرا وهو من أصحاب رسول الله ص
(٣٦)