إن غيري يقول إني عبد * فإذا ما سببته قال مهلا فيا أيها الولي الحميم لا ننسخ العلم بالظن فأخسر الأخسرين من كانت حاله هذه عزة الايمان أعلى وعزة الفقر أولى فليكن شأنك تعظيم المؤمن الفقير على المؤمن الغني بماله العزيز بجاهه المحجوب عن نفسه فإن الفقير المؤمن هو مجلي حقيقتك وأنت مأمور بمشاهدة نفسك حذر الخروج عن طريقها فالفقير المؤمن مرآتك ترى فيه نفسك والمؤمن الغني بالمال عنك هو مرآة لك صدئت فلا ترى نفسك فيها فلا تعرف ما طرا على وجهك من التغير فما عتب الله نبيه سدى بل أبان والله في ذلك عن أرفع طريق الهدى وزجر عن طريق الردي فقال كلا ردعا وزجرا لحالة تحجبك عما ذكرته وقررته لك في هذه النصيحة فلا تعدل بالغنى والعزة مستحقهما وهو الله تعالى تكن من العلماء الكمل الذين لم يدنسوا علمهم بغفلة ولا نسيان معذرة وبعد أن أبنت لك عن الطريقة المثلى التي غاب عنها الرجال الذين شهد لهم بالكمال فاعلم إن الأحوال تملك الإنسان لا بد من ذلك وإذا سمعت بشخص يملك الأحوال فإنه لا يملك حالا ما إلا بحال آخر فالحال الذي أوجب له ملك هذا الحال هو الحاكم عليه في الوقت فإن الوقت له فإن بعض الناس غلط في هذه المسألة من أهل طريقنا وجعلوا من الفروق بين الأنبياء ع وبين الأولياء ملك الحال فقالوا الأنبياء يملكون الأحوال والأولياء تصرفهم الأحوال وهو غلط كبير من كل وجه فإن الإنسان لا يخلو أبدا عن حال يكون عليه به يعامل وقته وهو الحاكم عليه واعلم أن الله قد قرر في نفوس الأكابر من رجال الله تعظيم صفات الحق حيثما ظهرت فإن ظهرت على من هي فيه بحكم العرض كان تعظيم هذا الرجل الولي لصفة الحق لا للمحل الظاهرة فيه فإن غفل انحجب بالموصوف عن الصفة فعظمها من أجلها وينبغي أن لا يكون ذلك إلا فيمن ألبسه الحق إياها لا فيمن سرقها فكان كلابس ثوبي زور كالمتشبع بما لا يملك وإذا عظم الولي صفة الحق إذا ظهرت له في شخص وبدت له صفته في شخص آخر أعرض عن صفته إعظاما أن يعرض عن الحق بمشاهدة نفسه فلم يقصد إلا التعظيم وينجر مع ذلك تعظيم المحل الذي ظهرت فيه صفة الحق وإن كان ليس مقصودا للمعظم ومع هذا فالذي نبهناك عليه أولى وأحق بالتقديم من هذا وما أحسن قول النبي ص حيث قال انزلوا الناس منازلهم أو قال أمرت أن أنزل الناس منازلهم ومنازل الناس والله معلومة ولم يقل كل أحد منزلته وإنما قال الناس فالصفة التي تعمهم هي التي أمر النبي ص أن ننزلهم فيها وهي التي ذكرناها ونبهناك عليها من الذلة والافتقار وكل ما ورد في القرآن من وصف الإنسان بما ليس له بحقيقة فإنما هو في مقابلة أمر قد ادعاه من ليس من أهله فقوبل به من جنسه ليكون أنكى في حقه قال في ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فنخرج منها محمدا وأصحابه فجاء ولده فأخبر بذلك رسول الله ص واستأذنه في قتل أبيه لما سمع الله يقول لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباؤهم وكان من المنافقين فقال رسول الله ص ما أريد أن يتحدث بأن محمدا يقتل أصحابه فأضاف الله العزة لرسوله وللمؤمنين في مقابلة دعوى المنافقين إياها فقال تعالى يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون لمن ينسبون العزة فكيف ينسبونها إلى غير الله من المؤمنين وما حظ الرسول والمؤمن منها ولم يقل تعالى بإخراجهم وكذلك ما أخرجهم بل هذا القائل لم يزل بالمدينة إلى أن مات ودفع لكفنه رسول الله ص ثوبه جزاء ليد كانت له عند النبي ص من جهة عمه العباس حين أسره في غزوة بدر فكساه هذا المنافق ثوبه فلم يبق للمنافق يوم القيامة مطالبة للنبي ص من أجل ذلك إذا رأيت عارفا قد وقع في مثل هذا فاعلم أنه ما قصد سوى تعظيم صفة الحق وتصغير نفسه فإن كنت مثله في المقام أو أكبر منه فاذكره بما عرفتك به وإذا كان هذا المقام لك وأنت شاهد له فبالضرورة تكون أكبر منه في تلك الحالة وإن كنت نازلا عنه في غيرها فعلى كل وجه ذكره وإن كان حاله الايمان في ذلك الوقت فإنه يقبل الذكرى فإن انتهرك وقال لك لمثلي تقول هذا فاعلم أنه قد سقط من عين الله وقد حجبه الله عن عبوديته وعن الايمان فاتركه فقد فعلت ما فرضه الله عليك وادع له فإن الله قد أعمى بصيرته عن سبيل
(٢٠)