من الكشف ما يخرجه عنها مع توحيد الألوهة كان ذلك شركا خفيا لا يشعر به صاحبه أنه شرك يحجبه عن الأمر العالي الذي طلب به فلم يوجد صاحب هذه الدعوى في توحيد الله وتوحيده في أفعاله مع الاضطراب عند فقد السبب وسكونه عند وجوده صادقا فنقصه على قدر ما فاته من ذلك هذا ولم يجعل للأسباب آلهة فإن قلت فالمشرك الذي ادعى أنه مشرك فهو صادق في دعواه إنه مشرك فلما ذا لم ينفعه صدقه قلنا هو كاذب في دعواه في نسبة الألوهة إلى من ليس بالإله هذه دعواه التي كفر بها فهو صادق في أنه مشرك وليس بصادق في إن الشركة في الألوهة صحيحة لأنه بحث عن ذلك بأدلة العقلية والشرعية فلم يوجد لما ادعاه عين في الصدق فاختبر الله العباد بما شرع لهم بإرسال الرسل واختبر الله المؤمنين بالأسباب فكل صنف اختبره بحسب دعواه فمن صدق أورثه ذلك الصدق ما تعطيه دعواه ولهذا يسأل الصادقين عن صدقهم فيما صدقوا فيه هل صدقوا فيما أمروا به وأبيح لهم أو هل صدقوا في إتيان ما حرم عليهم إتيانه مع كونهم صادقين فيقال لهم فيم صدقتم فإن النمامين صادقون والمغتابين صادقون وقد ذمهم الله وتوعد على ذلك مع كونه صدقا فلهذا يسأل الصادقين عن صدقهم فيما صدقوا فهذا من اختبار الله إياهم وأصل هذا كله ما ركب فيهم من الدعاوي ومما اختبرهم الله به في الخطاب إن جعل ما ابتلاهم به ليعلم الله الصادق في دعواه من الكاذب فأنزل نفسه في هذا الاختبار منزلة من يستفيد بذلك علما وهو سبحانه العالم بما يكون منهم في ذلك قبل كونه فمن المنزهة في زعمهم من يقول إن الله لا يستفيد من ذلك علما فإنه لا يعلم الأمر من حيث ما هو واقع من فلان على التعيين فرد كلام الله وتأوله إذ خاف من وقوع الأذى به لذلك ومن الظاهرية من التزم أنه يعلم بذلك الاختبار وقوفا عند هذا اللفظ ومن الناس من صرف ذلك إلى تعلق العلم به عند الوقوع فالعلم قديم والتعلق حادث ومن المؤمنين من سلم علم ذلك إلى الله وآمن به من غير تأويل معين وهذا هو أسلم ما يعتقد وهذا كله ابتلاء من الله لعباده الذين ادعوا الايمان به بألسنتهم فإنه قال حتى نعلم كما قال ولنبلونكم وقال أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين فميز بينهما فيجازي المجاهد بجزاء معين ويجازي الصابر عليه بجزاء معين وقال فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين لما ذكر الفتنة وهي الاختبار فإذا نظر الإنسان إلى نشأته البدنية قامت معه الأرض التي خلق منها وجعل منها غذاؤه وما به صلاح نشأته لم يرزقه الله في العادة من غيرها ومن خرق الله فيه العادة بأن لم يرزقه منها رزقه من أمر طبيعي خفي وهو السبب الذي أبقى عليه حياته به فوفر عليه حرارته ورطوبته التي هي مادة حياته بأمر لطيف لا يعلمه إلا الله ومن أطلعه عليه لأن الله لما وضع الأسباب لم يرفعها في حق أحد وإنما أعطى الله بعض عباده من النور ما اهتدى به في المشي في ظلمات الأسباب غير ذلك ما فعل به فعاينوا من ذلك على قدر أنوارهم فحجب الأسباب مسدلة لا ترفع أبدا فلا تطمع وإن نقلك الحق من سبب فإنما ينقلك بسبب آخر فلا يفقدك السبب جملة واحدة فإنه حبل الله الذي أمرك بالاعتصام به وهو الشرع المنزل وهو أقوى الأسباب وأصدقها وبيده النور الذي يهتدى به في ظلمات بر هذه الأسباب وبحرها فمن عمل كذا وهو السبب فجزاؤه كذا فلا تطمع فيما لا مطمع فيه ولكن سل الله تعالى رشة من ذلك النور على ذاتك وأظهر الأمور اللطيفة إن جعل بدنك ذا مسام وأحاط بك الهواء الذي هو مادة الحياة الطبيعية فإنه حار رطب بالذات وجعل فيك قوة جاذبة فقد تجذب في وقت فقدك الأسباب المعتادة الهواء من مسامك فتغذي به بدنك وأنت لا تشعر وقد علمنا إن من الحشرات من يكون عداؤه من مسام بدنه مما يجذبه م ن الرطوبات على ميزان خاص يكون له به البقاء من غير إفراط ولا تفريط ثم لتعلم أيها الأخ الولي أن أرض بدنك هي الأرض الحقيقية الواسعة التي أمرك الحق أن تعبده فيها وذلك لأنه ما أمرك أن تعبده في أرضه إلا ما دام روحك يسكن أرض بدنك فإذا فارقها أسقط عنك هذا التكليف مع وجود بدنك في الأرض مدفونا فيها فتعلم إن الأرض ليست سوى بدنك وجعلها واسعة لما وسعته من القوي والمعاني التي لا توجد إلا في هذه الأرض البدنية الإنسانية وأما قوله فتهاجروا فيها فإنها محل للهوى ومحل للعقل فتهاجروا من أرض الهوى منها إلى أرض العقل منها
(٢٤٩)