بانتزاع العلم لما تعذب فإن الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل فارح مسرور لكونه لا يدري ما فاته فلو علم أنه قد فاته خير كثير ما فرح بحاله ولتألم من حينه فما تألم إلا بعلمه ما فاته أو مما كان عليه فسلبه ولقد أصابني ألم في ذراعي فرجعت إلى الله بالشكوى رجوع أيوب ع أدبا مع الله حتى لا أقاوم القهر الإلهي كما يفعله أهل الجهل بالله ويدعون في ذلك أنهم أهل تسليم وتفويض وعدم اعتراض فجمعوا بين جهالتين ولما تحققت ما حققني الله به في ذلك الوجع قلت شكوت منه ومن ذراعي * وذاك مني لضيق باعي فقلت للنفس تدعيه * فأين دعواك في اتساعي قالت أنا أشتكيك منه * له فضري عين انتفاعي لولا التشكي مما أقاسي * خرجت عنه وعن طباعي وذاك جهل يدريه قلب * صاحب حال بالاتباع لولا شر ودي عنه بجهلي * لما دعاني إليه داع فقلت لبيك من دعاني * فقال أبغي عين المتاع قد نفق الشوق فاغتنمه * فعين وصلى عين انقطاعي فخف عني ما كنت أجده وغاب عني ما كنت أشهده فلو لا وجود العقل ما كنت أدريه * ولولا وجود اللوح ما كنت أمليه ولولا شهود الكون ما كنت أوفيه * ولولا حصول العلم ما كنت أجريه فمن قال إن الخلق يعرف كونه * فما عنده علم بما حقه فيه ويكفيه هذا القدر من جهله بما * هو الأمر في عين الحقيقة يكفيه إذا انكشفت الحقائق فلا ريب ولا مين وبان صبحها لذي عينين كان الاطلاع وارتفع النزاع وحصل الاستماع ولكن بينك وبين هذه الحال مفاوز مهلكة وبيداء معطشة وطرق دارسة وآثار طامسة يحار فيها الخريت فلا يقطعها إلا من يحيي ويميت لا من يحيا ويموت فكيف حال من يقاسي هذه الشدائد ويسلك هذه المضايق ولكن على قدر آلام المشقات يكون النعيم بالراحات وما ثم بيداء ولا مفازة سواك فأنت حجابك عنك فزل أنت وقد سهل الأمر فمن علم الخلق علم الحق ومن جهل البعض من هذا الشأن جهل الكل فإن البعض من الكل فيه عين الكل من حيث لا يدري فلو علم البعض من جميع وجوهه علم الكل فإن من وجوه كونه بعضا علم الكل وهذا المنزل من المنازل التي كثرت آياتها واتضحت دلالاتها ولكن الأبصار في حكم أغطيتها والقلوب في أكنتها والعقول مشغولة بمحاربة الأهواء فلا تتفرع للنظر المطلوب منها وفي هذا المنزل من العلوم علم مقاومة الأعداء وتقابل الأهواء بالأهواء فإن العقول إن لم تدفع الهوى بالهوى لم تحصل على المقصود فإن النفوس ما اعتادت إلا الأخذ عن هواها فإذا كان العقل عالما بالسياسة حاذقا في إنشاء الصور أنشأ للنفس صورة مطلوبه في عين هواها فقبلته قبول عشق فظفر بها وفيه علم خواص الأعداد والحروف وفيه علم بسائط الأعداد وما حكمها فيما تركب منها وهل يبقى فيها مع التركيب خواصها التي لها من كونها بسائط أم لا وفيه علم الظروف الزمانية وبيد من هي وفيه علم الزمان المستقبل إذا كان حالا ما حكمه وفيه علم أحدية العلم وما ينسب إليه من الكثرة ليس لعينه وإنما ذلك لمتعلقاته وفيه علم ما ينتجه النظر الفكري في الظروف المكانية وفيه علم آجال الأكوان في الدنيا والآخرة مع كون الآخرة لا نهاية لها وعموم قوله كل يجري إلى أجل مسمى فلا بد لكل شئ من غاية والأشياء لا يتناهى وجودها فلا تنتهي غاياتها فالله يجدد في كل حين أشياء وكل شئ له غاية تلك الغاية هي أجله المسمى فليس الأجل إلا لأحوال الأعيان والأعيان غايتها عين لا غاية وفيه علم الحقيقة والمجاز والاعتبار ومم يعبر وإلى ما ذا يعبر وما فائدة ذلك وفيه علم عمارة الدارين وهو الذي ذكرنا منه طرفا في هذا الباب وما استوفيناه وفيه علم اختلاف أحكام أحوال الساعة وفيه علم اختلاف المكلفين في أحوالهم وأن الله يخاطب كل صنف من حيث ما هو ذلك الصنف عليه لا يزيده
(٢٤٦)