وأشهدها كل شئ كان في الدار الأولى غائبا وأسكن هذه النشأة الدار الأخرى المسماة جنة منها فإنه قسم الدار الأخرى إلى منزلين هذا هو المنزل الواحد والمنزل الآخر المسمى جهنم جعل نشأة بدن أنفسها الناطقة عنصرية تقبل التغيير وأصحبها الجهل وسلب عنها العلم فأعطى جهل المؤمنين من أهل التقليد من كان من أهل هذه الدار دار الشقاء عالما بدقائق الأمور فدخل بذلك الجهل النار إذ كان من أهلها وهي لا تقبل العلماء وأعطى هذا العالم الذي كان في الدنيا عالما بدقائق الأمور ولم يكن من أهل الجنة جهل المؤمن المقلد فإن الجنة ليست بدار جهل فيرى المؤمن الأبله المقلد ما كان عليه من الجهل على ذلك العالم فيستعيذ بالله من تلك الصفة ويرى قبحها ويشكر الله على نعمته التي أعطاه إياها بما كساه وخلع عليه من علم ذلك العالم الذي هو من أهل النار وينظر إليه ذلك العالم فيزيد حسرة إلى حسرته ويعلم أن الدار أعطت هذه الحقائق لنفسها فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين لعلمهم إذ كانوا مؤمنين وإن كانوا جاهلين أنهم إذا انتقلوا إلى دار السعادة خلعت عنهم ثياب الجهالة وخلع عليهم خلع العلم فلا يبالون بما كانوا عليه من الجهل في الدنيا لحسن العاقبة وما علموا أنهم لو ردوا إلى الدنيا في النشأة التي كانوا عليها لعادوا إلى حكمها فإن الفعل بالخاصية لا يتبدل فما تكلموا بما تكلموا به من هذا التمني إلا بلسان النشأة التي هم فيها وتخيلوا أن ذلك العلم يبقى عليهم وما جعل الله في هذه النشأة الدنيا النسيان للعلماء بالشئ فيما قد علموه ويعلمون أنهم قد كانوا علموا أمرا فيطلبون استحضاره فلا يجدونه بعد ما كانوا عالمين به إلا أعلاما وتنبيها إنه على كل شئ قدير بأن يسلب عنهم العلم بما كانوا به عالمين إذا دخلوا النار يختص برحمته من يشاء وهو قوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وأي ملك أعظم من العلم وهو ما أعطاه من العلم للمؤمن المقلد الجاهل السعيد في الدار الآخرة وتنزع الملك ممن تشاء وأي ملك أفضل من العلم فينزعه من العالم غير المؤمن الذي هو من أهل النار وتعز من تشاء بذلك العلم وتذل من تشاء بانتزاع ذلك العلم منه لما علمت بأن الله كلفني * علمت أني مسؤول ومقصود وإنني لا أزال الدهر أعبده * دنيا وآخرة والحق معبود وما تجلى لشئ من خليقته * إلا ويشهد أن الحق مشهود من عين صورته لا من حقيقته * فالأمر والشأن موجود ومفقود لأننا بعيون الوجه نبصره * وكلنا وجهه والوجه محدود هو الوجود ومن في الكون صورته * فليس ثم سوى الرحمن موجود الدار داران دار الدار يعمرها * دار اللطيف فما في الكون تجريد ولولا أن الحقائق تعطي أن المال إلى الرحمة في الدار الأخرى فيرحمه معنى وحسا فثم من تكون الرحمة به عين العافية لا غير وارتفاع الآلام وهذا مخصوص بأهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها لما حصل لهم فيها من العافية بزوال الآلام فاستعذبوا ذلك فهم أصحاب عذاب لا أصحاب ألم ولا يحيون أي ما لهم نعيم كنعيم أهل الجنان الذي هو أمر زائد على كونهم عافاهم من دار الشقاء في القلب منك لهيب ليس يطفيه * إلا الذي بشهود الحس ينشيه إني أخاف على الأشراف من شرف * فمن يمر على قلبي فينبيه إذا أتى صاحب العاهات يطلبه * فإنه بشهود الحال يبريه وما يعيد على قلبي تنعمه * إلا الذي كان قبل اليوم يبديه واعلم أنه من زعم اليوم أن العلم هو السعادة فإنه صادق بأن العلم هو السعادة وبه أقول ولكن فاته ما أدركه أهل الكشف وهو أنه إذا أراد الله شقاوة العبد أزال عنه العلم فإنه لم يكن العلم له ذاتيا بل اكتسبه وما كان مكتسبا فجائز زواله ويكسوه حلة الجهل فإن عين انتزاع العلم جهل ولا يبقى عليه من العلم إلا العلم بأنه قد انتزع عنه العلم فلو لم يبق الله تعالى عليه هذا العلم
(٢٤٥)