العبد إلا بالإيمان فله النور الساطع بل هو النور الساطع الذي يزيل كل ظلمة فإذا عبده على الشهادة رآه جميع قواه فما قام بعبادته غيره ولا ينبغي أن يقوم بها سواه فما ثم من حصل له هذا المقام إلا المؤمن الإنساني فإنه ما كان مؤمنا إلا بربه فإنه سبحانه المؤمن واعلم إنك إذا لم تكن بهذه المنزلة وما لك قدم في هذه الدرجة فإنا أدلك على ما يحصل لك به الدرجة العلياء وهو أن تعلم أن الله ما خلق الخلق على مزاج واحد بل جعله متفاوت المزاج وهذا مشهود بالبديهة والضرورة لما بين الناس من التفاوت في النظر العقلي والايمان وقد حصل لك من طريق الحق أن الإنسان مرآة أخيه فيرى منه ما لا يراه الشخص من نفسه إلا بوساطة مثله فإن الإنسان محجوب بهواه متعشق به فإذا رأى تلك الصفة من غيره وهي صفته أبصر عيب نفسه في غيره فعلم قبحها إن كانت قبيحة أو حسنها إن كانت ذات حسن واعلم أن المرائي مختلفة الأشكال وأنها تصير المرئي عند الرائي بحسب شكلها من طول وعرض واستواء وعوج واستدارة ونقص وزيادة وتعدد وكل شئ يعطيه شكل تلك المرآة وقد علمت إن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رسالات ربهم وكل شخص منهم قبل من الرسالة قدر ما أعطاه الله في مزاجه من التركيب فما من نبي إلا بعث خاصة إلى قوم معينين لأنه على مزاج خاص مقصور وإن محمدا ص ما بعثه الله إلا برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ولا قبل هو مثل هذه الرسالة إلا لكونه على مزاج عام يحوي على مزاج كل نبي ورسول فهو أعدل الأمزجة وأكملها وأقوم النشآت فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية فاعلم إنك ليس لك ولا أنت على مثل هذا المزاج الذي لمحمد ص وأن الحق مهما تجلى لك في مرآة قلبك فإنما تظهره لك مرآتك على قدر مزاجها وصورة شكلها وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد ص في العلم بربه في نشأته فالزم الايمان والاتباع واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك فإذا فعلت هذا علمت إن الله تعالى لا بد أن يتجلى لمحمد ص في مرآته وقد أعلمتك أن المرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي فيكون ظهور الحق في مرآة محمد ص أكمل ظهور وأعدله وأحسنه لما هي مرآته عليه فإذا أدركته في مرآة محمد ص فقد أدركت منه كمالا لم تدركه من حيث نظرك في مرآتك ألا ترى في باب الايمان وما جاء في الرسالة من الأمور التي نسب الحق لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول ولولا الشرع والايمان به لما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا العقلي شيئا ألبتة بل نرده ابتداء ونجهل القائل به فكما أعطاه بالرسالة والايمان ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد ص أن تدركه في مرآتها وكما آمنت به في الرسالة غيبا شهدته في هذا التجلي النبوي عينا فلولاه ولولانا * لما كان الذي كانا ولا جاءت رسالات * من الرحمن مولانا بأخبار وأحكام * وسمي ذاك تبيانا وتوراة وإنجيلا * وفرقانا وقرآنا وسماه أولو الألباب * بالأفكار برهانا وثلث ذاك إسلاما * وإيمانا وإحسانا فسبحان الذي أسرى * به ليراه محسانا وخص بصورة الرحمن * من سماه إنسانا وجاءت رسله تترى * زرافات ووحدانا وأعطانا وحابانا * هنا ما شاء كتمانا وجنات وأنهارا * وروحا ثم ريحانا وكشفا ثم إشهادا * وإسرارا وإعلانا
(٢٥١)