إما لسبب يوقظه وإما لاستيفاء العين حقها في تلك النومة الخاصة من أجل المزاج الذي يكون عليه فإنه لا يستوي مزاج المتعوب ومزاج المستريح فالمتعوب يطلب من الراحة ما يزيل به ذلك التعب فيستغرقه النوم ويطول لأنه يحب استيفاء الراحة فلا يوقظه قبل الاستيفاء إلا أحد ثلاثة أشياء أو كلها أو بعضها على حسب ما يقع إما بأمر مزعج يراه في نومه أو يوقظه أحد من المتيقظين قصدا أو صيحة عظيمة أو حركة أو ما كان من هذه الأسباب في عالم الحس مقصودا لانتباهه أو غير مقصود بل يقع بالاتفاق والأمر الثالث أن تكون النفس متعلقة الخاطر بقضاء شغل ما تحب أن تفعله فتنام على ذلك الخاطر وهو متعلق بذلك الأمر فيزعجه فينتبه قبل استيفاء حقه من النوم وليس المقصود مما ذكرناه إلا تعريفك بأن العالم لا يخلو في كل نفس من الاستحالة ولولا إن عين الجوهر من الذي يقبل هذه الاستحالة في نفسه واحد ثابت لا يستحيل من حيث جوهره ما علم حين يستحيل إلى أمر ما ما كان عليه من الحال قبل تلك الاستحالة غير إن الاستحالات قد يخفى بعضها ويدق وبعضها يكون ظاهرا تحس به النفس كاستحالة خواطرها وحركاتها الظاهرة وأحوالها وتدق وتخفى كاستحالتها في علومها وقواها وألوان المتلونات بتجديد أمثالها فهي لا تدرك ذلك الأمر إلا من كان من أهل الكشف فإنه يدرك ذلك وأزال عنه الكشف ذلك اللبس الذي أعمى غيره عن إدراك هذا الأمر فإن قلت فهذه الصورة التي يستحيل إليها جواهر العالم ما هي قلنا الممكنات ليس غيرها هي في شيئية ثبوتها وهي قوله تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه فإذا ظهر عن قوله كن ليس شيئية الوجود وهو قوله وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا أي قدرتك أي ما كانت لك شيئية الوجود وهي على الحقيقة شيئية الظهور ظهور لعينه وإن كان في شيئية ثبوته ظاهرا متميزا عن غيره بحقيقته ولكن لربه لا لنفسه فما ظهر لنفسه إلا بعد تعلق الأمر الإلهي من قوله كن بظهوره فاكتسب ظهوره لنفسه فعرف نفسه وشاهد عينه فاستحال من شيئية ثبوته إلى شيئية وجوده وإن شئت قلت استحال في نفسه من كونه لم يكن ظاهرا لنفسه إلى حالة ظهر بها لنفسه بتقدير العزيز العليم فالعالم كله طالع غارب وفلك دائر ونجم سابح ظاهر بين طلوع وغروب عن وحي إلهي وهو ما يتوجه عليه من أمر بظهور وخفاء ووحي نفسي وهو ما يطلبه منه الحق وما يطلب من الحق تعالى فيوحي إلى الحق كما أوحى الحق إليه فيعمل الحق بما أوحى إليه عبده وقتا وقد لا يعمل وقتا كما إن العبد إذا أوحى الحق إليه فأمره بشئ يعمله أو يتركه فيطيعه وقتا ويعصيه وقتا فظهر الحق للمكلف بصورته في العطاء والإباية فما رأى العبد في الحق إلا صورته فلا يلومن إلا نفسه إذا دعا الحق في أمر فلم يجبه ألا ترى إلى الملائكة لما لم يعصوا الله تعالى فيما دعاهم إليه من فعل كما أخبر عنهم ما دعوه في شئ إلا أجابهم لأنهم ليسوا على صورة منع مما دعاهم الحق إليه والعالم لا يشهد من الحق إلا صورة ما هو عليه ولذلك قال ص فيمن يقول آمين بعد قراءة الفاتحة من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له لأن تأمين الملائكة مقبول عند الله مجاب فوافق زمان الإجابة للملائكة فحصلت له الإجابة بحكم التبعية إلا أن يكون وقته وقت إجابة له جزاء لما امتثل من أمر الحق في وقت ما والأصل في العالم قبول الأمر الإلهي في التكوين والعصيان أمر عارض عرض له نسبي وفي الحقيقة ما عصى الله أحد ولا أطاعه بل الأمر كله لله وهو قوله وإليه يرجع الأمر كله فأفعال العباد خلق لله والعبد محل لذلك الخلق فالعالم كله محصور في ثلاثة أسرار جوهره وصوره والاستحالة وما ثم أمر رابع فإن قلت فمن أين ظهر حكم الاستحالة في العالم من الحقائق الإلهية قلنا إن الحق وصف نفسه بأنه كل يوم هو في شأن والشؤون مختلفة ووصف نفسه بالفرح بتوبة عبده ولم يفرح بها قبل كونها وكذلك قوله ص إن الله لا يمل حتى تملوا وذكر عنه العارفون به وهم الرسل ع إن الله تعالى يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله كما يليق بجلاله فقد نعتوه بأنه كان على حالة قبل هذا الغضب لم يكن فيها منعوتا بهذا الغضب وقد ورد في الصحيح تحوله في الصور يوم القيامة إذا تجلى لعباده والتحول هو عين الاستحالة ليس غيرها في الظهور ولولا ذلك ما صح للعالم ابتداء في الخلق وكان العالم مساوقا لله في الوجود وهذا ليس بصحيح في نفس الأمر فكما قبل تعالى الظهور لعباده في صور مختلفة كذلك أيضا لم يخلق ثم خلق فكان موصوفا في الأزل بأنه عالم قادر أي متمكن من إيجاد الممكن لكن له أن يظهر في صورة إيجاده وأن لا يظهر فظهر في إيجاد صورة الممكن لما شاء ولا فرق بين الممكنات في النسبة إليه سبحانه ونحن نعلم أن زيدا ما
(٢٥٤)