ورسوله فقد فاز فوزا عظيما فالسعيد من حال الله بينه وبين ربوبيته وأقامه عبدا في جميع أحيانه يخاف ويرجو إيمانا ولا يخاف ولا يرجى عيانا إنما العبد من يخاف ويرجو * ليس بالعبد من يخاف ويرجى ولهذا من كل سوء يوقى * ولهذا عن كل فعل يزجي فتراه بكل وجه سعيدا * وإذا زل بالقضاء ينجى يحشر العبد في الوفود إليه * وإذا لم يكن بعبد فيرجى فإذا ما نجا الذي يتقيه * فالذي قام في المعارف أنجى كل من تدرك الحقائق منه * ما لديه مما لها فمنجى اعلم أيدك الله أن العالم عند الله من علم علم الظاهر والباطن ومن لم يجمع بينهما فليس بعالم خصوصي ولا مصطفى وسبب ذلك أن حقيقة العلم تمنع صاحبها أن يقوم في أحواله بما يخالف علمه فكل من ادعى علما وعمل بخلافه في الحال الذي يجب عليه عقلا وشرعا العمل به فليس بعالم ولا ظاهر بصورة عالم ولا تغالط نفسك فإن وبال ذلك ما يعود على أحد إلا عليك فإن قلت قد نجد من يعلم ولا يرزق التوفيق للعمل بعلمه فقد يكون العلم ولا عمل قلنا هذا غلط من القائل به لتعلم إن مسمى العلم ينطلق اسمه على ما هو علم وما ليس بعلم فإن الله تعالى يقول فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم فأعلمنا أنهم عملوا بما علموا ولكن لا أريد بالعلم إلا ما حصل عن مشاهدة المعلوم فإن حصل عن دليل فكري فليس بعلم حقيقي وإن كان في نفس الأمر علما كما قال النبي ص حين ذكر سورة في القرآن ولم يسمها ليختبر أصحابه فوقع في نفس بعض أصحابه أنها ربما تكون الفاتحة فأخبر النبي ص أنها الفاتحة ولم تقع للصاحب على جهة القطع فقال له رسول الله ص حين أخبره بما وقع له ليهنك العلم فهو علم في نفس الأمر لا عند هذا الصاحب الذي وقع له ذلك فلما كان هذا كذلك ذهب من ذهب إلى القول بالعمل بخلاف العلم مع وجود العلم والصحيح إذا اختبرته وبحثت عليه وجدت الحق فيما ذهبنا إليه ولهذا قال رسول الله ص لمن فهم عنه إن الله إذا أراد مضاء قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا وليس سوى ذهاب العلم عنهم والاعتبار عمل أوجبه العلم فهذا عين ما ذهبنا إليه قال تعالى في حق قوم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فعملوا بما علموا وهم عن الآخرة هم غافلون فلم يعملوا لها فإنه أغفلهم عنها فنسوا آخرتهم فتركوا العمل لها إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد قال تعالى آمرا وذكر يعني بالعلم من غفل عنه أو نسيه فإن الذكرى تنفع المؤمنين وهم الذين علموا ما ثم بنور الايمان كشفا ثم إنهم غفلوا فحيل بينهم وبين ما علموه من ذلك وكان المشهود لهم ما كانوا به عالمين في وقت نسيانهم فإذا ذكروا تذكروا وقام لهم شهود ما قد كانوا علموه فنفعتهم الذكرى فعملوا بما علموا فشهد الله أن الذكرى تنفع المؤمنين فإذا رأيت من يدعي الايمان ويذكر فلا يقع له نفع بما ذكر به علمت أنه في الحال ليس بعالم بما آمن به فليس بمؤمن أصلا فإن شهادة الله حق وهو صادق وقد أعلمنا أن المؤمن ينتفع بالذكرى وشهدنا أن هذا لم ينتفع بالذكرى فلا بد أن نزيل عنه الايمان تصديقا لله ولا معنى للنفع إلا وجود العمل منه بما علم وما نرى أحدا يتوقف بالعمل فيما يزعم أنه عالم به إلا وفي نفسه احتمال ومن قام له في شئ احتمال فليس بعالم به ولا بمؤمن بمن أخبره بذلك إيمانا يوجب له العلم مع أنك لو سألته لقال لك ما نشك في إن ما جاء به هذا الشخص حق يعني الرسول ع وأنا به مؤمن فهذا قول ليس بصحيح إلا في وقت دعواه عند بعض الناس ثم إذا خلى بفكره قام معه الاحتمال فكان ذلك الذي تخيل أنه علم أمر عرض له وبعضهم لا يزول عنه الاحتمال في وقت شهادته إن هذا حق صريح مع وجود الاحتمال وسبب هذه الشهادة بذلك أن الأمر إذا كان يحتمل أن يكون صدقا ويحتمل أن يكون كذبا فتجلى له في الوقت صدق ورده وتصديقه لذلك الذي هو به مؤمن أحد محتملات ذلك الخبر وهو كونه صدقا هذا هو المشهود له في ذلك الحال فيقطع في ذلك الوقت بصدقه
(٢٤٢)