الطرف الآخر إلى فاعل لا يكون منفعلا عن فاعل وهو الحق تعالى وفيه علم اختلاف الوجوه في العين الواحدة وفيه علم الآثار وما تعطي العالم بها من العلوم ومن هنا أخذ السامري القبضة من أثر جبريل فلو لا علمه بما تعطيه الآثار ما فعل ومن هذا الباب الذين يقصون الأثر في طلب الشئ ومن هذا الباب تعرف أقدام السعداء من أقدام الأشقياء إذا رأى صاحب هذا العلم وطأتهم في الأرض وإن لم ير أشخاصهم فإذا رأى أثر أرجلهم حكم عليهم بما يظهر له وفيه علم التعريض وقولهم في المثل السائر إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وفيه علم التورية ولذلك كان ص إذا أراد غزو جهة ورى بغيرها وفيه علم ما تعطيه الأسباب من الحكم في العالم وفيه علم حكم الأحوال على الرجال الأقوياء بل حكم الأحوال على كل شئ ومن هذا الباب رضي الله عن المطيع وغضبه على من يشاء من العصاة وفيه علم من أين نصر الشخص من يشبهه في الصفة إذا تعدى عليه آخر وهو ضد لمماثله بالجسد الذي ركبه الله عليه ويظهر ذلك في الحيوان كثيرا وفيه علم الأسباب التي تورث الالتجاء إلى الله عز وجل وهي أسباب القهر وفيه علم سفر الخواطر وسفر الأجسام وما ينتج كل سفر منها وفيه علم من أين يترك الإنسان طلب ما هو محتاج إليه بالطبع مثل قول بعضهم في إن الفقير من ليست له إلى الله حاجة وهذا وإن كان لفظه في غاية القبح فهو من جهة المعنى في غاية الحسن لأنه أرفع درجات التسليم وصاحب هذا المقام هو الذي اتخذ الله وكيلا لعلمه بأنه تعالى أعلم بما يصلح لهذا العبد فلا يعين له العبد حاجة لجهله بالمصالح فالفقير ليست له إلى الله حاجة معينة بل رد أمره كله إلى الله وفيه علم ما ينتج من له هذا المقام وكان حاله وفيه علم من عرف مقدار النساء ومنزلتهن في الوجود ولهذا حببهن الله لمحمد ص فإنه من أسرار الاختصاص ولما علم الله موسى ع قدر هذا استأجر نفسه في مهر امرأة عشر سنين وأعني بالنساء الأنوثة السارية في العالم وكانت في النساء أظهر فلهذا حببت لمن حببت إليه فإن النظر العقلي لا يعطي ذلك لبعده عن الشهوة الطبيعية وما علم هذا العقل أنه ما تنزه عن الشهوة لطبيعية الحيوانية في زعمه إلا بالشهوة الطبيعية فما زهد في شئ إلا بما زهد فيه فما خرج عن حكمه وهذا أجهل الجاهلين ولو لم يكن من شرف النساء إلا هيأة السجود لهن عند النكاح والسجود أشرف حالات للعبد في الصلاة ولولا خوفي أن أثير الشهوة في نفوس السامعين فيؤدي ذلك إلى أمور يكون فيها حجاب الخلق عما دعاهم الحق إليه لجهلهم بما كنت أذكره في ذلك ولكن له مواطن يستعمل فيها لا ظهرت من ذلك ما لا يظهر على فضله فضل شئ ولذلك قرن معه حب الطيب والصلاة ومن أسماء الله تعالى الطيب ولو نظرت فيما أنتج الله من الكلام الإلهي لموسى ع حين خرج ساعيا لأهله لما كانوا يحتاجون إليه من النار فبسعيه على عياله واستفراغه ناداه الحق وكلمه في عين حاجته وهي النار فقال له أن بورك من في النار ومن حولها وفيه علم وجود الحق في عين الخلاف كما يوجد في عين الاتفاق لمن عقل وفيه علم افتقار الأعلى إلى الأدنى وحاجته إليه وهذا العلم من أصعب العلوم لدقة ميزانه فإنه ما كل أحد يقدر يزن بهذا الميزان ولا سيما في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون فمن أي شئ تحفظ في قوله ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ونحن نعلم أنه لا يطعم ولا يطلب الرزق من عباده بل هو الرزاق ذو القوة لما كانت القوة فينا للغذاء فقال إن يطعمون فتكون قوتي مما طمعت بل لي القوة من غير غذاء ولا طعام وفيه علم الإمامة في العالم وأنه لا يجتمع أمر العالم إلا بها ولا تكون المصالح إلا بها وفيه علم تعليم العلم وفيه علم الغيب الإضافي وما ثم غيب مطلق وفيه علم من طلب شيئا فلما أعطيه رده ولم يقبله فما السبب الذي حمل الطالب على طلبه وما السبب الذي جعله يرده ولا يقبله فينبني على هذا علم السبب المؤدي إلى الطلب على الإطلاق من غير تخصيص طالب من طالب وفيه علم ما يتبع الشخص إلا من له الحكم فيه وما يحكم فيه إلا من له التعشق به وهذا اتباع الاختيار لا اتباع الجبر فإن اتباع الجبر قد لا يكون له حكم ما ذكرناه وإن كان العاشق مجبورا للعشق القائم به ولكن الفرق ظاهر بين الحركتين وفيه علم التوصيل وما ينتج وفيه علم الأصناف الذين يضاعف لهم العطاء في الآخرة وفيه علم ما ينبغي أن يطلب له العالم وفيه علم ما يحذر من الاتباع وما لا يحذر وما يذم من الحذر وما لا يذم وفيه علم السبب الموجب لهلاك ما يهلك من العالم وفيه علم المفاضلة في العالم
(٢٥٦)