وبأنه لا يشك فيه وما علم إن ذلك من تجلى أحد محتملاته فإذا غاب عنه ذلك الوارد قامت معه المحتملات على السواء فلم يترجح عنده ذلك إلا بطريق الظن لا بالعلم فانظر يا أخي ما أخفى غوائل النفس وما أعظم حجاب الجهل مع كونه عدما فكيف بنا لو كان وجود فلله الحمد والمنة وإنما نبهناك على هذا لتعلم حظك من الايمان ومنزلتك فإن النبي ص يقول في الحديث الصحيح عنه لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن أي مصدق بالعقاب عليه فإنه تعالى قد يغفر وإن الايمان إذا لم يعط الكشف الذي يعطيه العلم فليس بإيمان فاعلم أن العلم يعطي العمل من خلف حجاب رقيق وفي حديث آخر عن رسول الله ص في الزاني إذا زنى خرج عنه الايمان حتى صار عليه كالظلة ولنا فيه تأويل حسن وهو أن الزاني قد تعرض لبلاء من الله ينزل عليه فيخرج الايمان حتى يصير عليه كالظلة يمنع نزول ذلك البلاء عليه إن نزل فلا تغفل يا ولي عن هذا القدر الذي نبهتك عليه ألا ترى الله تعالى ما نصب الآيات وكثرها إلا ليحصل بها العلم لعلمه أن العلم إذا حصل لزم العمل ألا ترى إلى شارب الدواء وهو عمل ما شربه وتجرع مرارته إلا لعلمه أن ثم دواء مزيلا لهذه العلة التي يشكو منها فيقول عسى يكون ذلك الدواء عين هذا الذي شربته فيشربه بالإمكان والترجي فكيف به لو علم أنه عين الدواء بلا شك لسارع إليه فهذا حاله مع الترجي والإمكان فإن قلت فقوله تعالى وأضله الله على علم في حق من اتخذ إلهه هواه قلنا إن الإله له القوة في المألوه وإله هذا هو هواه فحكم عليه وأضله عن سبيل الله وأما قوله على علم يعني من أنه أضله الله على علم لا إن الضال على علم فإن الضال هو الحائر الذي لا يعرف في أي جهة هو مطلوبه فمتعلق على علم أضله وهو العامل فيه وهو فعل الله تعالى والذي على الله إنما هو البيان خاصة قال تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون أي ليحير قوما بعد أن هداهم في أخذ الميثاق والفطرة التي ولدوا عليها حتى يبين لهم ما يتقون فإذا أبان لهم حيرهم فمنهم من حيره بالواسطة فشك في النبوة وحار فيها وما تحقق إن هذا نبي فتوقف في الأخذ عنه ومنهم من حيره في أصل النبوة هل لها وجود أم لا ومنهم من حيره فيما جاء به هذا النبي مما تحيله الأدلة النظرية فأورثهم البيان الإلهي هذه الحيرة وذلك لعدم الايمان فلم يكن لهم نور إيمان يكشف لهم عن حقيقة ما قاله الله وأبان عنه ومن لم يجعل الله له نورا هنا من إيمانه فما له من نور في القيامة إن الله بكل شئ عليم فيعمل بما علم أنه يكون كونه وما علم أنه لا يكون لم يكونه فكان عمله بعلمه قل أنزله بعلمه والإنزال عمل أوجده العلم فلما أبان الحق ما أبانه لعباده فمنهم من رزقه الله العلم فعمل به ومنهم من حرمه الله العلم فضل وحار وشك وارتاب وتوقف وأما قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فإنهم مصدقون بكتابهم وهذا النعت فيه وقد أبصروه فيعلمون أنه عين هذا النعت ولا يعرفون الشخص الذي قام به هذا النعت لجواز أنه يقوم ذلك النعت بأشخاص كثيرين فدخلهم الاحتمال في الشخص لا في النعت وأما قوله تعالى وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون أنه الحق فيكتمونه عن مقلديهم وعن النبي ع أنهم عرفوه أنه صاحب هذا النعت ولا يلزم من العالم بالحق الإقرار به في الظاهر وإنما يستلزمه التصديق به في الباطن فهو مصدق به وإن كذبه باللسان فقد عمل بما علم وهو التصديق وقوله تعالى في مثل هذا واستيقنتها أنفسهم أنها آيات فعلموا وعملوا بما علموا وهو التيقن الذي هو استقرار العلم في النفس فلو لا ما علموا ما تيقنوا وما كل عمل يعطي عموم النجاة بل يعطي من النجاة قدرا مخصوصا من عموم أو خصوص فإن قلت فإن أهل النار قد علموا صدق الله في إنفاذ الوعيد وقالوا ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل فلا نشك أنهم في هذه الحال حصل لهم العلم والله يقول ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه مع هذا العلم الذوقي الذي حصل لهم قلنا لما علم الله أن هذه الدار الدنيا جعلها الله على طبيعة مخصوصة وجعل نشأة الإنسان على مزاج يقبل النسيان والغفلة وحب العاجلة ويقبل ضد هذا على حسب ما يقام فيه فعلم سبحانه أن نشأة هؤلاء الذين عينهم أنهم لو ردوا إلى الدنيا في نشأتهم التي كانوا عليها في الدنيا لعادوا إلى نسيان ما كانوا قد علموا وجعل على أعينهم غطاء على ما لو شهدوه لعلموا الأمر فعملوا له فهذا معنى لعادوا لما نهوا عنه لأن النشأة ليست إلا تلك فلو بقي لهم هذا العلم لما عادوا ألا ترى النبي ص يقول في الصحيح عنه إنه يؤتى في القيامة بأنعم
(٢٤٣)