ومنهم من أعطاه أربع قوى وهي الغاية فإن الوجود على التربيع قام من غير مزيد إلا أنه كل قوة تضمن قوى لا يعلم عددها إلا الله وذلك من حيث إن الملائكة أجسام نورية فلهم هذه القوي من حيث أجسامهم فإنهم مركبون كالأجسام الطبيعية فالملك صاحب القوتين على تركيب النبات وصاحب الثلاث على تركيب الحيوان وصاحب الأربع على تركيب الإنسان وانتهت المولدات فانتهت قوى الملائكة والجسم يجمع الكل فله الإحاطة فقبلت الملائكة الأجسام النورية من العماء الذي ظهر فيه الجسم النوري الكل وقبل الشكل والصور وفيه نظهر الأرواح الملكية والعماء لهذا الجسم الكل وما يحمله من الصور والأشكال الإلهية والروحانية بمنزلة الهيولى في الأجسام الطبيعية سواء والتفصيل في ذلك يطول ومن هذا النور الذي فوق الطبيعة تنفخ الأرواح في الأجسام الطبيعية فما تحت الطبيعة إلى العناصر أنوار في ظلال وما تحت العناصر من الأجسام العنصرية أنوار في ظلمة وما فوق الطبيعة من الأجسام النورية أنوار في أنوار وإن شئت أنوار في أنفاس رحمانية وإن شئت أنوار في عماء كيفما شئت عبر إذا عرفت الأمر على ما هو عليه واعلم أن كل روح مما هو تحت العقل الأول صاحب الكلمة فهو ملك وما فوقه فهو روح لا ملك فأما الملائكة فهم ما بين مسخر ومدبر وكلهم رسل الله عن أمر الله حفظة وهم على مراتب ولهم معارج ونزول وصعود دنيا وآخرة فمنهم المسخرون في الدعاء والاستغفار للمؤمنين وآخرون في الاستغفار لمن في الأرض ومنهم المسخرون في مصالح العالم المتعلقة بالدنيا ومنهم المسخرون في مصالح العالم المتعلقة بالآخرة وهذا القدر من العمل الذي هم عليه هو عبادتهم وصلاتهم وأما تسبيحهم فذكر الله في هذه الصلوات التي لهم كالقراءة والذكر لنا في صلاتنا ولا يزال الأمر كذلك إلى الوقت الذي يشاء الله أن تعم الرحمة جميع خلقه التي وسعت كل شئ فإذا عمتهم الرحمة لم يبق لبعض الملائكة الذين كان لهم الاستغفار من عبادتهم إلا التسبيح خاصة وبقيت الملائكة الذين لهم تعلق بأحوالنا في الجنان وحيث كان من كان من الدارين فذلك منهم لا ينقطع وزال عن أولئك اسم الملائكة وبقوا أرواحا لا شغل لهم إلا التسبيح والتمجيد لله تعالى كسائر الأرواح المهيمة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار فهذا الصنف المذكور هنا هم الصابرون أهل البلاء من البشر وأما الملائكة التي تدخل على أصحاب النعيم الشاكرين فلم يجر لهم ذكر مع أنه لا بد من دخول الملائكة عليهم من كل باب لأن أبواب النعيم كثيرة كما هي أبواب البلاء ومن رأى أن النعم التي أنعم الله بها على عباده في الدنيا ليست بخالصة من البلاء لما وجه عليهم فيها من التكليف بالشكر عليها وهو أعظم البلاء إذ كانت النعم أشد في الحجاب عن الله من الرزايا فدخل أهل النعيم على هذا في قول الملائكة بما صبرتم فنعم عقبى الدار أي حصلتم في دار نعيمها غير مشوب بتكليف ولا طلب حق فلذلك لم يجر ذكر لأحوال الملائكة مع الشاكرين واقتصر على ما جاء به الحق من التعريف وهو الصحيح فإن الدار الدنيا تعطي هذا وهو الذي يقتضيه الكشف الذي لا تلبيس فيه إن جميع من في الدار الدنيا من مبتلى ومنعم عليه له حال الصبر فالصبر أعم من الشكر والبلاء أعم من النعم في هذه الدار وإذا عمت الرحمة وارتفعت الآثار التي تناقض الرحمة ارتفعت نسب الأسماء التي عينتها الآثار لأنها راجعة إلى عين واحدة كما بين تعالى في قوله ولله الأسماء الحسنى وقال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى والأسماء وضعية وضعتها حقائق الممكنات بما تطلبه فعلى قدر ما تكون عليه من الاستعداد تطلب ما يناسب ذلك من الفيض الإلهي فإذا أعطيته وضعت لكل عين من ذلك أسماء فإذا لم يبق لها استعداد تقبل به الألم والعذاب لم يوجد للألم ولا للعذاب عين لعدم القابل فترتفع نسب الأسماء المختصة بهذه الأحكام لارتفاع القوابل وما كان له من الأسماء حكمان في القابل فإنه يبقى كالغافر وهو الساتر فلم يبق ذنب يطلب الغافر وللغافر حكم الحجاب من كونه حجابا مطلقا فيبقى الغافر وإن زال المذنب فإن الغفر لا بد منه ولولا ذلك لم يكن مزيد ولا خلق جديد والمزيد على الدوام فرفع الستور على الدوام وليس سوى الاسم الغفور بخلاف المنتقم فإن القابل ارتفع فزال هذا الوضع الخاص فاعلم ذلك وفي هذا المنزل من العلوم علم ثناء السماء والأرض والملائكة دون سائر الخلق وما يثنون به على ربهم فإنه لكل عالم ثناء خاص لا يكون لغيره قال تعالى تسبح له السماوات السبع والأرض ثم
(٢٠٩)