لا يتخلص لهم إثبات المعلول لعلته التي هي معلولة لعلة أخرى فوقها إلى أن ينتهوا إلى الحق في ذلك الواجب الوجود لذاته الذي هو عندهم علة العلل فلو لا علة العلل ما كان معلول عن علة إذ كل علة دون علة العلل معلولة فالاشتراك ما ارتفع على مذهب هؤلاء وأما ما عدا هؤلاء الأصناف من الطبيعيين والدهريين فغاية ما يؤول إليه أمرهم أن الذي نقول نحن فيه إنه الإله تقول الدهرية فيه إنه الدهر والطبيعيون أنه الطبيعة وهم لا يخلصون الفعل الظاهر منا دون أن يضيفوا ذلك إلى الطبيعة وأصحاب الدهر إلى الدهر فما زال وجود الاشتراك في كل نحلة وملة وما ثم عقل يدل على خلاف هذا ولا خبر إلهي في شريعة تخلص الفعل من جميع الجهات إلى أحد الجانبين فلنقره كما أقره الله على علم الله فيه وما ثم إلا كشف وشرع وعقل وهذه الثلاثة ما خلصت شيئا ولا يخلص أبدا دنيا ولا آخرة جزاء بما كنتم تعملون فالأمر في نفسه والله أعلم ما هو إلا كما وقع ما يقع فيه تخليص لأنه في نفسه غير مخلص إذ لو كان في نفسه مخلصا لا بد إن كان يظهر عليه بعض هذه الطوائف ولا يتمكن لنا أن نقول الكل على خطأ فإن في الكل الشرائع الإلهية ونسبة الخطاء إليها محال وما يخبر بالأشياء على ما هي عليه إلا الله وقد أخبر فما هو الأمر إلا كما أخبر لأن مرجوع الكل إليه فما خلص فهو مخلص وما لم يخلص فما هو في نفسه مخلص فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل فاتفق الحق والعالم جميعه في هذه المسألة على الاشتراك وهذا هو الشرك الخفي والجلي وموضع الحيرة فلا يرجح فما ثم إلا ما قلناه فإذ قد قررنا في هذه المسألة ما قررناه فلنقل إن الجود الإلهي والغيرة الإلهية اقتضيا أن يقولا ما نبينه إن شاء الله وذلك أن المتكلمين في هذا الشأن على قسمين الواحد أضاف الأفعال كلها إلى الأكوان فقال لسان الغيرة الإلهية كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا أي حادثا وأما القسم الثاني فأضاف الأفعال الحسنة كلها إلى الله وأضاف الأفعال القبيحة إلى الأكوان فقال لسان الجود الإلهي قل كل من عند الله لا تكذيبا لهم بل ثناء جميلا وما ثم من قال إن الأفعال كلها لله ولا للاكون من غير رائحة اشتراك فلهذا حصرناها في قسمين من أجل الطبيعية والدهرية وأما حجب العناية وهي حجب الإشفاق على الخلق من الإحراق فهي الحجب التي تمنع السبحات الوجهية أن تحرق ما أدركه البصر من الخلق وسبب ذلك أن الله قد وضع الدعاوي في الخلق لأن أعيانهم لما اتصفت بالوجود بعد العدم وأن ذلك الوجود كان عن ترجيح المرجح الذي هو واجب الوجود فما أنكره أحد وإن كانت قد تغيرت العبارات عنه باسم طبيعة ودهر وعلة وغير ذلك فهو هو لا غيره فرأوا إن الوجود لها وإن كان مستفادا فإنه لهم حقيقة وإن أعيانهم هم الموجودون بهذا الوجود المستفاد وهذه هي أعيان الحجب التي بين الله وبين خلقه فلو كشفها عموما كما كشفها خصوصا لبعض عباده لأحرقت أنوار ذاته المعبر عنها بسبحات وجهه ما أدركه بصره من أعيان الموجودات أي أن بصره ما كان يدرك من الموجودات سوى وجود الحق ويذهب الكل الذي قررته الدعاوي فيتبين أنه الحق لا غيره فعبر عن هذا الذهاب بالإحراق لما جعلها أنوارا والأنوار لها الإحراق لكنه تعالى أبقى حجب الدعاوي ليتميز أهل الله من غيرهم فلم تزل الممكنات عند أهل الله من حيث أعيانهم موصوفين بالعدم ومن حيث أحكامهم لم يزالوا موصوفين بالوجود وهو الحق كما قال تعالى كنت سمعه وبصره في الخبر الصحيح فأثبت العين للعبد وجعل نفسه عين صفته التي هي عين وجوده عين صفة العبد فعين الممكن ثابتة غير موجودة والصفة موجودة ثابتة وهي عين واحدة ولو تكثرت بنسبها فإنها كثيرة في النسب فهي سمع وبصر وغير هذين إلى جميع ما في العالم من القوي من ملك وبشر وجان ومعدن ونبات وحيوان ومكان وزمان ومحل ومعقول ومحسوس وما ثم إلا هذا ولما قرر الله دعاوى المدعين بإرسال الحجب بينهم وبين ما هو الأمر عليه وشغلهم بالحجب التي بينهم وبينه في الأفعال وضرب الكل بالكل انفرد بخاصته وجعلهم جلساء له عنده بالشهود وفي صورهم المحسوسة بالذكر فهو جليس الذاكرين وهم آخر الطوائف ليس بعدهم أحد له نعت يذكر قال تعالى لما وصفهم ذكرانا وإناثا والذاكرين الله كثيرا والذاكرات فختم بجلسائه وما بعد جلسائه من يقبل صفة إلا صفة بعد عن هذه المجالسة ألا ترى أبا يزيد رحمه الله حين جهل الأسماء الإلهية وما تستحقه من الحقائق كيف صنع لما سمع القارئ يقرأ يوم الجمعة يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا طار الدم من عينيه حتى ضرب المنبر وتأوه وقال هذا عجب كيف يحشر إليه
(٢١٢)