معرفته بوجوده واستناده إليه فأعطاه الأمان في ذلك كله فمن عرف ذلك لم يخف وكان من الآمنين فتصديق صدق الحق من صدق كونه * ولولاه لم يصدق وإن كان صادقا فلا تنظر الأشياء من حيث إنه * هو الأصل فاسبرها فإن الحقائقا تريك أمورا لم تكن عالما بها * فتبدي لكم فيها سنى وطرائقا فتبصرها بالنور من خلف ستره * ويمشي بها حقا مبينا وخالقا فيدعوك من في الكون فقرا وحاجة * إذا كنت بالرحمن ربا ورازقا صدق الممكن ربه فيما أخبره به من إعطاء الأمان من العدم إذا أوجده فصدقه الله في صدقه وأجرى له الصدق في خلقه فالمصدق والصديق ما هو الصادق إلا بنسبتين مختلفتين والخبر لا يكون أبدا إلا من الأول والتصديق لا يكون أبدا إلا من الآخر والأول والآخر اسمان لله فإذا أقام الله عبده في الأولية أعطاه الإخبار فأخبر وأقام الله نفسه في الاسم الآخر فصدقه فيما أخبر به وإذا أقام الله نفسه في الاسم الأول وأخبر أقام العبد في الاسم الآخر فصدقه في خبره فالصادق للأول أبدا والصديق للآخر أبدا قال تعالى والذي جاء بالصدق وهو الأول وصدق به وهو الآخر أولئك هم المتقون المفلحون الباقون بهذا الحكم فلو لا وجود القول ما صدق العبد * ولولا وجود الشفع ما ظهر الفرد فجئ معه من حيث ما جاء فإنه * له الحكم في الأشياء والذم والحمد فإن كان عن وفق كما قال بعضهم * وإن كان عن قصد فقد حكم القصد وما قال بالأوفاق إلا مخلط * جهول بنعت الحق بالقبل والبعد فالصدق متعلقة الخبر ومحله الصادق وليس بصفة لأصحاب الأدلة ولا للعلماء الذين آمنوا بما أعطتهم الآيات والمعجزات من الدلالة على صدق دعواه فذلك علم والصدق نور يظهر على قلب العبد يصدق به هذا المخبر ويكشف بذلك النور أنه صدق ويرجع عنه برجوع المخبر لأن النور يتبع المخبر حيث مشى والصدق بالدليل ليس هذا حكمه إن رجع المخبر لم يرجع لرجوعه فهذا هو الفارق بين الرجلين وهذه المسألة من أشكل المسائل في الوجود فإن الأحكام المشروعة أخبار إلهية يدخلها النسخ والتصديق يتبع الحكم فيثبته ما دام المخبر يثبته ويرفعه ما دام المخبر يرفعه ولا يتصف الحق بالبداء في ذلك وهو الذي جعل بعض الطوائف ينكرون نسخ الأحكام وأما الصادق فما أكذب نفسه في الخبر الأول وإنما أخبر بثبوته وأخبر برفعه وهو صادق في الحالتين ولا تناقض ولما كان من حقيقة الخبر الإمكان لحكم الصفتين الصدق والكذب من حيث ما هو خبر لا من حيث النظر إلى من أخبر به لذلك ميزنا بين القائل بصدق المخبر للدليل والقائل بصدقه للإيمان فإن الايمان كشف نوري لا يقبل الشبه وصاحب الدليل لا يقدر على عصمة نفسه من الدخل عليه في دليله القادح فيرده هذا الدخل إلى محل النظر فلذلك عريناه عن الايمان فإن الايمان لا يقبل الزوال فإنه نور إلهي رقيب قائم على كل نفس بما كسبت ما هو نور شمسي كوكبي يطلع ويغرب فيعقبه ظلام شك أو غيره فمن عرف ما قلناه عرف مرتبة العلم من جهة الايمان ومرتبة العلم الحاصل عن الدليل فإن الأصل الذي هو الحق ما علم الأشياء بالدليل وإنما علمها بنفسه والإنسان الكامل مخلوق على صورته فعلمه بالله إيمان نور وكشف ولذلك يصفه بما لا تقبله الأدلة ويتأوله المؤمن به من حيث الدليل فينقصه من الايمان بقدر ما نفاه عنه دليله (وصل) وفي هذا المنزل صمت العبد إذا كلمه الحق والحق يكلمه على الدوام فالعبد صامت مصغ على الدوام على جملة أحواله من حركة وسكون وقيام وقعود فإن العبد الممنوح السمع لكلام الحق لا يزال يسمع أمر الحق بالتكوين فيما يتكون فيه من الحالات وإلهيات ولا يخلو هذا العبد ولا العالم نفسا واحدا من وجود التكوين فيه فلا يزال سامعا فلا يزال صامتا ولا يمكن أن يدخل معه في كلامه فإذا سمعتم العبد يتكلم فذلك تكوين الحق فيه والعبد على أصله صامت واقف بين يديه تعالى فما تقع الأسماع إلا على تكوينات الحق فافهم فإن هذا من لباب المعرفة التي لا تحصل إلا لأهل الشهود
(٢١٨)