الحالة التي كان موصوفا بها ولا وجود له تألم بمشاهدته لأن الحال له الحكم فيمن قام به وحال هذا الممكن الآن مشاهدة العدم فيتعذب عذابا وهميا كان النبي ص يقول في الضراء الحمد لله على كل حال ومن الأحوال الموجبة للحمد أحوال السراء التي حمدها الحمد لله المنعم المتفضل فلو لا إن الحمد على كل حال يتضمن حمد السراء فهو إعلام بأن في الضراء سراء لعموم حمدها والحمد ثناء على المحمود وصاحب الضراء لو لم يكن في طي تلك الضراء سراء لم يكن ذلك الحمد ثناء من الحامد في حال الضراء والحمد ثناء بلا شك في نفس الأمر فما في العالم ضر لا يكون مشوبا برحمة كما إن المؤمن لا تخلص له معصية غير مشوبة بطاعة أصلا وهي طاعة الايمان فهو في مخالفته طائع عاص كالمعذب المرحوم ثم لتعلم إن الممكنات مفتقرة بالذات فلا يزال الفقر يصحبها دائما لأن ذاتها دائمة فوضع لها الأسباب التي يحصل لها عندها ما افتقرت فيه فافتقرت إلى الأسباب فجعل الله عين الأسباب أسماء له فأسماء الأسباب من أسمائه تعالى حتى لا يفتقر إلا إليه لأنه العلم الصحيح فلا فرق عند أهل الكشف بين الأسماء التي يقال في العرف والشرع إنها أسماء الله وبين أسماء الأسباب أنها أسماء الله فإنه قال أنتم الفقراء إلى الله ونحن نرى الواقع الافتقار إلى الأسباب فلا بد أن تكون أسماء الأسباب أسماء الله تعالى فندعوه بها دعاء الحال لا دعاء الألفاظ فإذا مسنا الجوع سارعنا إلى الغذاء المزيل ألم الجوع فافتقرنا إليه وهو مستغن عنا ولا نفتقر إلا إلى الله فهذا اسم من أسمائه أعني صورة ذلك الغذاء النازل منزلة صورة لفظ الاسم الإلهي أو صورة رقمه ولذلك أمر بشكر الأسباب لأنه أمر بشكره فهو الثناء عليه بها واعلم أن من رحمة الله بخلقه أن جعل على قدم كل نبي وليا وارثا له فما زاد فلا بد أن يكون في كل عصر مائة ألف ولي وأربعة وعشرون ألف ولي على عدد الأنبياء ويزيدون ولا ينقصون فإن زادوا قسم الله علم ذلك النبي على من ورثه فإن العلوم المنزلة على قلوب الأنبياء لا ترتفع من الدنيا وليس لها إلا قلوب الرجال فتقسم عليهم بحسب عددهم فلا بد من أن يكون في الأمة من الأولياء على عدد الأنبياء وأكثر من ذلك روينا عن الخضر أنه قال ما من يوم حدثت فيه نفسي إنه ما بقي ولي لله في الأرض إلا قد رأيته واجتمعت به فلا بد لي أن اجتمع في ذلك اليوم مع ولي لله لم أكن عرفته قبل ذلك وروينا عنه أنه قال اجتمعت بشخص يوما لم أعرفه فقال لي يا خضر سلام عليك فقلت له من أين عرفتني فقال لي إن الله عرفني بك فعلمت إن لله عبادا يعرفون الخضر ولا يعرفهم الخضر واعلم أن لله عبادا أخفياء أبرياء أصفياء أولياء بينهم وبين الناس حجب العوائد غامضين في الناس لا يظهر عليهم ما يميزهم عن الناس وبهم يحفظ الله العالم وينصر عباده معروفون في السماء مجهولون في الأرض عند أبناء الجنس لهم المهنأة في الدنيا والآخرة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لا في الدنيا يعرفون ولا في الآخرة يشفعون انفردوا بالحق في سرائرهم وما كنت عرفت أن الله قد جعل في الوجود وليا له على كل قدم نبي فإن الله تعالى لما جمع بيني وبين أنبيائه كلهم حتى ما بقي منهم نبي إلا رأيته في مجلس واحد لم أر معهم أحدا ممن هو على قدمهم ثم بعد ذلك رأيت جميع المؤمنين وفيهم الذين هم على أقدام الأنبياء وغيرهم من الأولياء فلما لم يجمعهم مجلس واحد لذلك لم أعرفهم ثم عرفتهم بعد ذلك ونفعني الله برؤيتهم وكان شيخنا أبو العباس العريبي على قدم عيسى ع وكنا نقول قبل هذا أن ثم أولياء على قلوب الأنبياء فقيل لنا لا بل قل هم على أقدام الأنبياء لا تقل على قلوبهم فعلمت ما أراد بذلك لما أطلعني الله على ذلك رأيتهم على آثارهم يقفون ورأيت لهم معراجين المعراج الواحد يكونون فيه على قلوب الأنبياء ولكن من حيث هم الأنبياء أولياء النبوة التي لا شرع فيها والمعراج الثاني يكونون فيه على أقدام الأنبياء أصحاب الشرائع لا على قلوبهم إذ لو كانوا على قلوبهم لنالوا ما نالته الأنبياء من الأحكام المشروعة وليس ذلك لهم وإن وقع لهم التعريف الإلهي بذلك ويأخذون الشرع من حيث أخذته الأنبياء ولكن من مشكاة أنوار الأنبياء يقترن معه حكم الاتباع فما يخلص لهم ذلك من الله ولا من الروح القدسي وما عدا هذا الفن من العلم فإنه مخلص للأولياء من الله سبحانه ومن الأرواح القدسية وهذا كله لتتميز المراتب عند الله لنعرف ذلك فنعطي كل ذي حق حقه كما أعطى الله كل شئ خلقه وهذا كله من رحمة الله التي أفاضها على خلقه ثم لتعلم إن الله جعل للملائكة ثلاث مراتب في القوة الإلهية فمنهم من أعطاه قوتين ومنهم من أعطاه ثلاث قوى
(٢٠٨)