الحق بصره وهو عين سبحات الوجه فإن الله لا يزال يرى العالم ولم يزل وما أحرقت العالم رؤيته ومنها حجب غير عناية مثل قوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فاعلم إن الحجب على أنواع حجب كيانية بين الأكوان مثل قوله تعالى فاسئلوهن من وراء حجاب ومنها حجب احتجبت بها الخلق عن الله مثل قوله وقالوا قلوبنا في أكنة ومنها حجب احتجب بها الله عن خلقه مثل قوله ص إن الله يتجلى يوم القيامة لعباده ليس بينه وبينهم إلا رداء الكبرياء على وجهه وفي رواية بينه وبين خلقه ثلاثة حجب أو كما قال ومنها وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب كما كلم موسى ع من حجاب النار والشجرة وشاطئ الوادي الأيمن وجانب الطور الأيمن وفي البقعة المباركة وكما قال فأجره حتى يسمع كلام الله فكلم الله المستجير من خلف حجاب محمد ص إذ كان هو عين الحجاب لأن المستجير من المشركين منه سمع كلام الله فلا نشك أن الله كلمنا على لسان رسول الله ص وكما أيضا كلمنا من وراء حجاب المصلي إذا قال سمع الله لمن حمده فالسنة العالم كلها أقوال الله وتقسيمها لله فيضيف إلى نفسه منها ما شاء ويترك منها ما شاء فأما الحجب الكيانية التي بين الأكوان فمنها جنن ووقايات ومنها عزة وحمايات كاحتجاب الملوك وحجاب الغيرة على من يغار عليه كما قال في ذوات الخدور وهن المحتجبات ومن ذلك حور مقصورات في الخيام وأما الوقايات والجنن فمنها الحجب التي تقي الأجسام الحيوانية من البرد القوي والحر الشديد فيدفع بذلك الألم عن نفسه وكذلك الطوارق يدفع بها في الحرب المقاتل عن نفسه سهام الأعداء ورماحهم وسيوفهم فيتقي هذا وأمثاله بمجنه الحائل بينه وبين عدوه ويدفع بذلك عن نفسه الأذى من خودة وترس ودرع وقد تكون حجب معنوية يدفع بها الأذى الشخص عمن يتكرم عليه مثل شخص يصدر منه في حق شخص آخر ما يكرهه ذلك الشخص لكونه لا يلائم طبعه ولا يوافق غرضه فيلحق به الذم لما جرى منه في حقه فيقوم شخص يجعل نفسه له وقاية حتى يتلقى هو في نفسه سهام ذلك الذم فيقرر في نفس الذام أنه السبب الموجب لذلك وأن ذلك الأذى كان كله من جهته حتى يتحقق ذلك الذام هذا الأمر أنه كان من جهة هذا الشخص بأي وجه أمكنه التوصل إليه فيعلق الذم به ويكون حائلا بينه وبين الشخص الذي كان منه الأذى لذلك الذم فوقى عرضه بنفسه كما نلحق نحن من الأفعال ما قبح منها مما لا يوافق الأغراض ولا يلائم الطبع إلينا مع علمنا إن الكل من عند الله ولكن لما تعلق به لسان الذم فدينا ما ينسب إلى الحق من ذلك بنفوسنا أدبا مع الله وما كان من خير وحسن رفعنا نفوسنا من الطريق وأضفنا ذلك إلى الله حتى يكون هو المحمود أدبا مع الله وحقيقة فإنه لله بلا شك مع ما فيه من رائحة الاشتراك بالخبر الإلهي في قوله والله خلقكم وما تعملون وقوله ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وقال قل كل من عند الله فأضاف العمل وقتا إلينا ووقتا إليه فلهذا قلنا فيه رائحة اشتراك قال تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فأضاف الكل إلينا وقال فألهمها فجورها وتقويها فله الإلهام فينا ولنا العمل بما ألهم وقال كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك فقد يكون عطاؤه الإلهام وقد يكون خلق العمل فهذه مسألة لا يتخلص فيها توحيد أصلا لا من جهة الكشف ولا من جهة الخبر فالأمر الصحيح في ذلك أنه مربوط بين حق وخلق غير مخلص لأحد الجانبين فإنه أعلى ما يكون من النسب الإلهية أن يكون الحق تعالى هو عين الوجود الذي استفادته الممكنات فما ثم إلا وجود عين الحق لا غيره والتغييرات الظاهرة في هذه العين أحكام أعيان الممكنات فلو لا العين ما ظهر الحكم ولولا الممكن ما ظهر التغيير فلا بد في الأفعال من حق وخلق وفي مذهب بعض العامة أن العبد محل ظهور أفعال الله وموضع جريانها فلا يشهدها الحس إلا من الأكوان ولا تشهدها بصيرتهم إلا من الله من وراء حجاب هذا الذي ظهرت على يديه المريد لها المختار فيها فهو لها مكتسب باختياره وهذا مذهب الأشاعرة ومذهب بعض العامة أيضا إن الفعل للعبد حقيقة ومع هذا فربط الفعل عندهم بين الحق والخلق لا يزول فإن هؤلاء أيضا يقولون إن القدرة الحادثة في العبد التي يكون بها هذا الفعل من الفاعل إن الله خلق له القدرة عليها فما يخلص الفعل للعبد إلا بما خلق الله فيه من القدرة عليه فما زال الاشتراك وهذا مذهب أهل الاعتزال فهؤلاء ثلاثة أصناف أصحابنا والأشاعرة والمعتزلة ما زال منهم وقوع الاشتراك وهكذا أيضا حكم مثبتي العلل
(٢١١)